
دينا زكريا
في أقصى الشمال الغربي من جمهورية مصر العربية، حيث تلتقي رمال الصحراء البيضاء بمياه البحر المتوسط اللازوردية، تقف محافظة مطروح شامخة بمزاراتها الطبيعية والتاريخية، التي تختزل عبق الماضي ودهشة الحاضر. ومن بين أبرز هذه المزارات التي باتت رمزًا سياحيًا وأيقونة تاريخية لا تُنسى، يبرز “حمام كليوباترا”، هذا المعلم الأسطوري الذي يُقال إن الملكة البطلمية كليوباترا السابعة كانت تلجأ إليه لتستحم بعيدًا عن أعين العامة، مستمتعة بجمال الطبيعة وانسياب البحر.
موقع فريد يجمع بين الطبيعة والأسطورة
يقع حمام كليوباترا على شبه جزيرة صغيرة شمال غرب مدينة مرسى مطروح، ويطل على البحر المفتوح مباشرة، مما يمنحه طابعًا ساحرًا يجمع بين العزلة الرومانسية والمشهد الطبيعي الأخّاذ. ويتخذ الحمام هيئة تجويف صخري ضخم، تنساب إليه مياه البحر من فتحة طبيعية، وتخرج من أخرى، وكأن الطبيعة قد نحتت هذا المكان خصيصًا ليكون ملاذًا ملكيًا.
الزوار، سواء من المصريين أو الأجانب، يتوافدون إلى هذا المكان طوال أشهر الصيف، لا لمجرد الترفيه فقط، بل لالتقاط صور تذكارية داخل هذا المعلم التاريخي، ولتأمل روعة المكان الذي ظل شاهدًا على واحدة من أكثر شخصيات التاريخ إثارة للجدل: كليوباترا.
حمام طبيعي محفور في ذاكرة الزمان
الحمام ليس مجرد تجويف صخري، بل معلم جيولوجي نادر، يتمتع بتكوينات طبيعية مبهرة. داخل الصخرة، توجد فتحات تسمح بدخول أشعة الشمس، فتتحول المياه إلى لوحة من الألوان المتلألئة. وتدور الروايات الشعبية بأن الملكة كليوباترا كانت تستغل هذا المكان للاستحمام في خصوصية تامة، تحيط بها مياه البحر من كل جانب، في جوٍّ من العزلة الملوكية.
ويُعتقد أن استخدام كليوباترا لهذا الحمام يعود إلى زياراتها المتكررة للمنطقة خلال فترة حكمها، مستمتعة بجمال سواحل مرسى مطروح، التي كانت تُعد آنذاك جزءًا من الأراضي الحيوية للدولة البطلمية.
تطوير حضاري يربط بين الماضي والحاضر
خلال السنوات الأخيرة، أولت السلطات المحلية والهيئة العامة للتنشيط السياحي اهتمامًا خاصًا بهذا المزار، بهدف جعله أكثر ملاءمة للزوار ورفع كفاءته السياحية. فقد جرى تنفيذ مشروع تطوير متكامل لمنطقة حمام كليوباترا، شمل:
-
ترميم الممر الصخري الذي كان يربط الحمام بالشاطئ، بعد أن تآكل بفعل عوامل النحت والتعرية البحرية.
-
إنشاء جسر زجاجي آمن وحديث، يربط بين اليابسة والحمام، مما أتاح للزوار التنقل بسهولة ومشاهدة المنظر الطبيعي الخلاب من الأعلى.
-
إضاءة تجميلية حديثة أضفت على المكان بُعدًا جماليًا ليليًا، حيث يتحول الموقع إلى قطعة من الضوء المتراقص على صفحة البحر.
هذا المشروع الطموح لم يقتصر على البنية التحتية فقط، بل شمل أيضًا حملات دعائية وترويجية لتعريف السياح بأهمية الموقع، وتاريخه العريق، وقيمته الثقافية والجمالية.
شاطئ الغرام المجاور.. ثنائية الحب والتاريخ
إلى جانب حمام كليوباترا، يقع شاطئ الغرام، الذي يُعد من أجمل شواطئ المدينة، ويتميز بمياهه الصافية وتكويناته الصخرية المدهشة. ويُعرف الشاطئ أيضًا بأنه موقع تصوير عدد من الأفلام المصرية الكلاسيكية، ما يضفي عليه لمسة فنية ونوستالجية تزيد من جاذبيته.
الزائر لحمام كليوباترا لا بد أن يمر بشاطئ الغرام، حيث يشكلان معًا ثنائية لا تُقاوم من الجمال الطبيعي والتاريخي، تجعل من زيارة مرسى مطروح تجربة لا تُنسى.
مقصد سياحي وثقافي عالمي
أصبح حمام كليوباترا الآن مقصدًا ليس فقط للمصريين، بل للزوار العرب والأجانب الباحثين عن مزيج نادر بين السياحة الشاطئية وسحر التاريخ. ومع كل موسم صيف، تعود الحياة لتدب في المكان من جديد، حيث تُقام الفعاليات الثقافية والفنية في محيطه، ويزداد عدد الرحلات المدرسية والسياحية التي تأتي لاستكشاف المعلم.
تُدرج وزارة السياحة والآثار هذا المزار ضمن خططها لتوسيع رقعة السياحة الثقافية على ساحل البحر المتوسط، ويُنظر إليه كأحد أعمدة الهوية السياحية لمحافظة مطروح، لما يمثله من رمز تاريخي يعكس عبقرية المصريين القدماء في استغلال الطبيعة وتحويلها إلى فن معماري طبيعي.
حيث يغتسل التاريخ بماء البحر
يظل “حمام كليوباترا” رمزًا لصراع الجمال مع الزمن، وشاهدًا على قدرة الإنسان والطبيعة على خلق ما يفوق الخيال. فبين مياه البحر، وصخور الشاطئ، وهمسات الشمس، يكتمل مشهد أسطوري يتجاوز كونه مجرد معلم سياحي، ليصبح سردية بصرية تعيد للزائر صلةً روحيةً بالماضي.
زيارتك لمطروح لن تكتمل دون أن تخطو فوق الجسر الزجاجي، وتلامس بأناملك صخور الحمام الذي شهد لحظات من حياة أعظم ملكات التاريخ، الملكة كليوباترا.