
دينا زكريا
في عالم العلاقات العاطفية، لا يوجد ما هو أكثر قسوة من أن تمنح قلبك لإنسان تظنه ملاذك، فتكتشف في النهاية أنك لم تكن بالنسبة له سوى محطة مؤقتة. أن تعيش الحب بكل تفاصيله، وتمنح بلا حدود، ثم تدرك بعد فوات الأوان أنك كنت وحدك في علاقة من المفترض أنها تقوم على المشاركة والتبادل.
هذه الخيبة لا تأتي فجأة، بل تنمو بصمت بين التفاصيل. هي قصة تتكرر كثيرًا، لكن الألم لا يقل كل مرة. فما أقسى أن تكتشف أن من أحببته لم يكن صادقًا معك، بل كان يجيد التمثيل، ويتقن صناعة الوهم.
الفصل الأول: خيانة الثقة وتزييف المشاعر
البداية دومًا ما تكون جميلة، محمّلة بالوعود والآمال. يراك مهتمًا، صادقًا، حاضرًا بقلبك قبل جسدك. لكن ما لا تراه في البداية هو أن الطرف الآخر ربما لم يبادلك النية ذاتها. ربما كان يراك مجرد وسيلة، لا غاية. مجرد ظل يمر به الوقت إلى أن يعثر على ما يبحث عنه حقًا.
ومع مرور الأيام، تبدأ إشارات الخطر في الظهور، لكنها غالبًا ما تُقابل بالتجاهل. تبرر، وتلتمس الأعذار، وتصدّق أن ما يحدث “مجرد فترة وهتعدي”. لكن الحقيقة المؤلمة أن تلك المرحلة ليست عابرة، بل هي بداية النهاية.
الفصل الثاني: مراجعة اللحظات… حين يتحوّل الحب إلى وهم
بعد الانفصال أو الفقد، يبدأ العقل رحلة المراجعة القاسية. تستعيد كل كلمة، كل نظرة، كل موقف. تحلل التفاصيل الصغيرة، فتكتشف أنك كنت تمنح بلا مقابل، وتضحك بينما في داخلك حزن عميق، وتسكت عن الجرح كي لا تخسره.
تشعر بالخذلان ليس فقط منه، بل من نفسك أيضًا. كيف لم ترَ؟ كيف صدقت؟ كيف بقيت رغم كل ما كان يظهر لك بوضوح؟ الحقيقة المؤلمة أنك كنت تكذب على نفسك، تتمسك بالوهم، وتزين له الواقع حتى لا تراه على حقيقته.
الفصل الثالث: التبرير المستمر… وكيف يتحوّل الحب إلى استنزاف
واحدة من أكثر اللحظات إيلامًا في التجربة العاطفية الفاشلة هي لحظة الإدراك بأنك كنت تخدع نفسك. كنت تبرر بروده، وتفسر تغيّره، وتصمت على الإهمال بحجة أنه “مشغول” أو “تعبان نفسيًا”. كنت تضحك في وجهه بينما قلبك يئن، وتكتم وجعك كي لا يشعر بالذنب، أو كي لا يبتعد.
في النهاية، تدرك أن هذا ليس حبًا، بل استنزاف. وأن الطيبة دون تقدير تتحول إلى ضعف، والعطاء بلا مقابل يتحول إلى نزيف عاطفي لا يشعر به سواك.
الفصل الرابع: لحظة الاستفاقة… بعد الانكسار
هناك لحظة فاصلة، تأتي بعد الكثير من الألم، وهي لحظة الصحوة. لحظة تدرك فيها أنك لست المخطئ في الحب، بل كنت فقط تحب من لا يستحق. لحظة تدرك فيها أن ما ظننته “كبيرًا” لم يكن كذلك، بل كان قليلًا، ضئيلاً، هزيلًا… لكنك من منحته قيمة لأنه غالٍ عندك.
تلك اللحظة لا تأتي بسهولة، بل على جراح، على خسارات، على دموع ليلية لا يراها أحد. لكنها حين تأتي، تغيّرك من الداخل، تجعلك أكثر وعيًا، أكثر صرامة في اختياراتك، وأقل تسامحًا مع من لا يقدّرك.
الفصل الخامس: الدروس القاسية… والشفاء الممكن
ربما لا يُنسى الألم، لكنه يُفهم. وربما لا تُمحى الذكريات، لكنها تفقد سطوتها. تبدأ في فهم أن العطاء لا يجب أن يكون بلا حدود، وأن الحب لا يُقاس بكميته، بل بصدقه وتبادله. تبدأ في وضع الحدود، في استخدام عقلك قبل قلبك، في إدراك أن بعض الطرق العاطفية لا تؤدي إلا إلى متاهات لا عودة منها.
الألم لا يعني أنك ضعيف، بل يعني أنك إنسان. لكن أن تظل فيه، أن تبرر له، أن تسمح له بأن يستنزفك، هو ما يُسمى ضعفًا. وما بين الطيبة والسذاجة شعرة، عليك أن تميّزها حتى لا تسقط مجددًا.
ليس الخطأ في الحب، بل في اختيار من نحب. وما بعد التجربة ليس النهاية، بل بداية جديدة على أسس أكثر نضجًا ووعيًا. قلبك ليس محطة عبور لأحد، ولا أرضًا خصبة تُزرع فيها خيبات الآخرين. قلبك وطن، ومن لا يقدّره، لا يستحق المرور فيه.