كتاب و أراء

” شرف المهنة ” لهاري يوسف الفصل الرابع

كتبت / دينا زكريا

Screen Shot 2025 02 13 at 3.15.01 PM 1

لم تكن أروقة الصحيفة سوى انعكاس مصغر لما يجري في شوارع القاهرة، حيث انقسم الصحفيون بين مؤيد ومعارض ومترقب. في تلك الفترة، لم يكن العمل الصحفي مجرد نقل أخبار أو تحليل أحداث، بل صار معركة بقاء.

راجح، الصحفي المخضرم، جلس في زاويته المعتادة في غرفة التحرير، يقلب أوراقه بنظرة شاردة. لم يكن متحمسًا للتيارات الإسلامية، لكنه آمن بأن التجربة الديمقراطية تستحق فرصة. على الجانب الآخر، كان عماد، الصحفي الشاب المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، يخطط لكيفية إبراز إنجازات الرئيس مرسي في الجريدة. وبينهما كان جلال، الصحفي المستقل الذي طالما آمن بأن الصحافة لا ينبغي أن تكون بوقًا لأحد.

293975 0

كانت النقاشات اليومية في غرفة التحرير أشبه بساحة معركة فكرية. “راجح، هل تعتقد حقًا أن هؤلاء قادرون على إدارة البلاد؟” سأل جلال بحدة.

أجابه راجح بصوت هادئ: “أنا أؤمن بأن التجربة يجب أن تأخذ مداها، لا يمكننا الحكم على رئيس بعد شهور قليلة من توليه السلطة.”

قهقه عماد قائلاً: “هذه ليست مجرد تجربة، إنها استعادة لحقوقنا التي سُلبت لعقود. نحن نمثل الإرادة الشعبية.”

لم يكن جلال مقتنعًا: “لكن الصحافة ليست مكانًا للترويج، دورنا هو نقل الحقيقة. ما نراه الآن هو محاولة لتكميم الأفواه والسيطرة على المؤسسات الإعلامية.”

ازدادت حدة النقاشات مع مرور الأيام، وبدأت الضغوط تتصاعد داخل الجريدة. بعض الصحفيين المقربين من النظام الجديد حصلوا على ترقيات، بينما تعرض المعارضون للتهميش. ذات يوم، تلقى راجح استدعاءً من رئيس التحرير.

“راجح، يجب أن تكون مقالاتك أكثر حيادية. نحن لا نريد صدامًا مع السلطة،” قال رئيس التحرير بحزم.

“هل تعني الحيادية أم التطبيل؟” سأله راجح بتهكم.

تنهَّد رئيس التحرير: “أنا لا أطلب منك أن تكتب ضد قناعاتك، لكن الوضع حساس. أي نقد حاد قد يؤدي إلى مشاكل لا نتحملها الآن.”

غادر راجح المكتب وهو يدرك أن هامش الحرية يضيق يومًا بعد يوم. لم يكن وحده في هذا الشعور، فجلال أيضًا بدأ يلاحظ كيف يتم فرض رقابة غير معلنة على المحتوى، وكيف أن أي مقال ينتقد الحكومة يُعاد تعديله قبل النشر.

المصري الوطني

في تلك الليلة، اجتمع جلال وراجح في أحد المقاهي القريبة من وسط البلد. “الأمر يتجاوز مجرد رقابة على المقالات،” قال جلال بصوت خافت، “لقد سمعت أن هناك توجيهات رسمية بفصل بعض الصحفيين المعارضين.”

“ألم يكن هذا متوقعًا؟” أجاب راجح وهو يشعل سيجارته. “كل سلطة جديدة تحاول إحكام قبضتها على الإعلام. السؤال هو، ماذا سنفعل؟”

“الاستقالة ليست خيارًا، علينا المقاومة من الداخل،” قال جلال بحزم.

في اليوم التالي، وجد عماد نفسه في موقف لا يحسد عليه. كان قد أعد تقريرًا عن إنجازات الحكومة، لكنه فوجئ بأن رئيس التحرير طلب منه تخفيف حدة التفاؤل في تقريره.

“لكن هذا يخدم توجهاتنا، لماذا التعديل؟” سأل عماد مستنكرًا.

نظر إليه رئيس التحرير بحذر: “الأوامر من فوق، يجب أن نبدو متوازنين بعض الشيء، حتى لا تتهمنا المعارضة بأننا متحيزون.”

أدرك عماد حينها أن السيطرة على الإعلام لم تكن بالأمر السهل حتى على مؤيدي السلطة. الصحافة كانت ساحة معركة دائمة، ومن يملكها اليوم قد يفقدها غدًا.

في نهاية اليوم، وبينما كان راجح وجلال وعماد يجلسون صامتين في غرفة التحرير، أدرك الثلاثة أن ما يجمعهم ليس الاتفاق في الرأي، بل إدراكهم جميعًا أن حرية الصحافة كانت على المحك، وأن الحقيقة دائمًا هي الضحية الأولى لأي صراع سياسي.

 

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى