
دينا زكريا
في لحظات الهدوء والسكينة، قد يصعب التمييز بين من يحبك بصدق ومن يتقن تمثيل مشهد الحب ببراعة. الجميع يجيد الكلمات الجميلة، الوعود الكبيرة، والنظرات التي توحي بالاهتمام. لكن حين تهبّ رياح الغضب، وحين تشتدّ الخلافات، يظهر الفارق الجوهري بين من يحمل لك المحبة كقيمة راسخة، ومن يرتدي قناعها لهدف عابر.
في هذا المقال، نسلط الضوء على الفارق الجوهري بين “المُحب” و”متصنّع الحب”، وتحديدًا من خلال أحد أهم اختبارات العلاقات: الخلاف. فالخلاف، لا سيما حين يقترن بالغضب أو سوء الفهم، لا يُفسد علاقة متينة، بل يكشف طبيعتها الحقيقية.
المحب يعاتب… المتصنّع ينسحب
المحب حين يغضب لا يهرب، بل يقترب. لا يسعى للانتقام أو التجاهل، بل يلجأ إلى العتاب كأرقى أشكال المحبة الناضجة. العتاب لا يُمارس من فراغ، بل من حرص على الاستمرار، من رغبة في التصحيح، من إحساس بأن العلاقة تستحق الوقت والجهد.
أما متصنّع الحب، فما إن يظهر أول سوء تفاهم حتى يلوذ بالصمت، ثم ينسحب دون تفسير. لا يتحمّل الخلاف، لأنه لم يكن يومًا مستعدًا للحب على حقيقته؛ الحب الذي يتطلّب الصبر، والتفاهم، والتنازل أحيانًا.
الاختفاء السهل: علامة سطحية المشاعر
أن يختفي أحدهم من حياتك دون مقدمات، لمجرد خلاف بسيط أو سوء تفاهم، فذلك لا يدل على كرامة أو رقيّ في النفس كما قد يتوهم البعض، بل يدل غالبًا على هشاشة الشعور، ورداءة النية. فالمحب لا يتخلى بسهولة. والمحب لا يستخدم الخلاف حجة للهروب، بل سببًا لبناء جسر جديد من التفاهم.
الفرق في التوقيت والموقف
في الحب، يُقاس الصدق لا بالأوقات الجميلة فقط، بل تحديدًا بالمواقف الصعبة. حين تمر العلاقة بعاصفة، يثبت المحب حضوره. لا يهرب، لا يلوّح بالرحيل، لا يستخدم الغضب كأداة عقاب. أما متصنّع الحب، فهو بارع في الظهور وقت الهدوء، وغائب تمامًا وقت الحاجة.
عتاب المحبّين: فن البقاء
يقال إن العتاب لغة الحب، وأحيانًا يكون العتاب أصدق من ألف كلمة حب. لأنه يحمل في طياته رسالة واحدة: “أريدك أن تبقى”. بينما التجاهل والهجر يُخفيان رسالة من نوع آخر: “وجودك لم يكن مهمًا منذ البداية”.
المحب حين يعتب لا يجرّح، بل يُضيء بقعة مظلمة، يعيد ترتيب الحروف، يعترف بالألم لكنه لا يقسو. أما من يدّعي الحب، فسرعان ما يتحوّل عند أول أزمة إلى شخص بارد، منفصل، لا يعنيه إن كانت العلاقة تتهاوى أو تستمر.
علامات المتصنّع: غياب العُمق
من أبرز ملامح الحب المتصنّع أنه سريع الاندلاع وسريع الانطفاء. تراه ينساق خلف الانبهار الأول، يقيم العلاقة على الانجذاب اللحظي، لا على التواصل العميق. فيغضب بسرعة، ويخاصم بسرعة، ويختفي من دون أن يترك حتى ملاحظة وداع.
أما المحب، فبداخله خزان من التسامح والمرونة، يملك نية الاستمرار، لذلك فإن غضبه لا يكون إعلان نهاية، بل بداية جديدة.
هجرٌ بلا تفسير: قتلٌ للعاطفة
الذين يهجرون بصمت، دون توضيح، دون محاولة لفهم أو إصلاح، لا يملكون حبًا حقيقيًا، بل مجرد شعور وقتي يُسهل عليهم التخلي عنه. هؤلاء يخلطون بين “الانسحاب” و”الكرامة”، بينما المحب يدرك أن الكرامة الحقيقية لا تعني الصمت، بل النقاش الناضج، والعتاب المحترم، والاستمرار رغم الألم.
الحب الحقيقي يُختبر عند الانكسار
يُقال إنك لا تعرف معدن الأشخاص إلا عندما يُخالفونك. وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق في العلاقات العاطفية. فكل منّا يملك القدرة على التودد وقت الصفاء، لكن القلة هم من يستطيعون الحفاظ على الود رغم العتاب، والغضب، والخذلان المؤقت.
لا تكن فريسة لممثل بارع
قد تخدعك الكلمات، وقد تدهشك التصرفات المدروسة في بدايات العلاقات، لكن لا تتسرع في الحكم على من يحبك بصدق. انتظر لحظة الخلاف، راقب كيف يتعامل مع الاختلاف، مع العتاب، مع الغضب. فإن بقي وصارحك وعاتبك بلطف، فأنت في علاقة حب حقيقية. وإن اختفى، أو أغلق الأبواب بلا عودة، فاعلم أن ما كنت فيه ليس حبًا، بل تمثيلية جميلة انتهت في أول مشهد خلاف.
المحب لا يهرب
في النهاية، تذكّر هذه القاعدة البسيطة:
المحبّ لا يهرب، لا يخاصم ليُعاقب، ولا يهجر ليُسيطر. بل يقترب، يعاتب، يُصلح، ويستمر.
أما من يدّعي الحب، فلا يملك قوة المواجهة، لأنه لا يرى فيك شريكًا طويل المدى، بل محطة مؤقتة يُغادرها عند أول عثرة.