ثقافة

أطول عملية انتخاب بابوية استغرقت ما يقرب من 3 سنوات.. اعرف تاريخها

كتبت دينا زكريا

عادةً ما يُعقد المجمع البابوي، المعروف باسم “الكونكلاف”، بعد فترة قصيرة من وفاة أو استقالة البابا السابق. وغالبًا ما يُنتخب خليفة الحبر الأعظم خلال أيام قليلة. فمثلًا، عند انتخاب البابا فرنسيس عام 2013، لم يستغرق الكرادلة أكثر من يومين فقط لاختيار خليفة للبابا بنديكتوس السادس عشر، في إشارة إلى مدى انضباط وفاعلية الآليات الحديثة في اتخاذ هذا القرار المصيري.

لكن، لم تكن الأمور دوماً بهذه السلاسة. فقبل قرون، لم يكن هناك نظام موحد لمكان الانعقاد، ولا إجراءات ملزمة للكرادلة، ما فتح الباب أمام الكثير من الجدل والتأخير، بل وحتى التوترات السياسية والدينية والشعبية.

أطول مجمع في التاريخ: من عام 1268 إلى 1271

تُسجّل كتب التاريخ الكنسي أن أطول مجمع لانتخاب بابا استمر من عام 1268 حتى عام 1271، بعد وفاة البابا كليمنت الرابع في مدينة فيتربو الإيطالية. هذه الفترة، التي امتدت لعامين وتسعة أشهر، تسببت في استياء شعبي واسع داخل المدينة، وبلغ الغضب ذروته حين أقدم السكان المحليون على تمزيق سقف القاعة التي كان يجتمع فيها الكرادلة، في محاولة لإجبارهم على إنهاء حالة الجمود وانتخاب البابا الجديد.

ويُذكر أن تلك المرحلة من تاريخ الكنيسة كانت مليئة بالتجاذبات السياسية بين الممالك الأوروبية، خصوصًا بين فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة، وهو ما جعل الكرادلة يترددون في اختيار مرشح قد يتسبب في ميلان كفة الكنيسة نحو طرف دون الآخر. هذه الخلافات السياسية كانت كفيلة بتعطيل العملية الانتخابية لسنوات، مما أثار سخط السكان الذين لم يكونوا مهيئين لتحمل نفقات وإزعاج إقامة الكرادلة كل هذه المدة.

جريجوري العاشر: البابا الذي أصلح مسار الانتخابات البابوية

في نهاية المطاف، وقع الاختيار على تيبالدو فيسكونتي، الذي أصبح البابا جريجوري العاشر. وبعد توليه المنصب، سعى جاهدًا لتفادي تكرار تلك الفوضى، فقام بوضع قواعد جديدة صارمة للمجمع البابوي. من أبرز هذه القواعد: عزل الكرادلة تمامًا عن العالم الخارجي خلال المجمع، وتقييد اتصالاتهم، وحتى تقليص وجباتهم تدريجيًا إذا تأخروا في اتخاذ القرار.

تلك الإجراءات أثمرت بالفعل بعد وفاته في يناير 1276، حيث لم يستغرق الكرادلة سوى يومٍ واحد فقط لانتخاب خليفته. هذه السرعة غير المسبوقة جاءت كنتيجة مباشرة لتلك الإصلاحات الجذرية التي فرضها جريجوري العاشر.

من الإفراط إلى التفريط… ثم إلى التوازن

ورغم نجاح هذه القواعد في تسريع انتخاب البابا، إلا أن التشدد المفرط فيها أدى لاحقًا إلى حالة معاكسة، إذ امتد أحد المجامع من أبريل 1292 حتى يوليو 1294، أي لأكثر من عامين مجددًا. وهكذا، أدركت الكنيسة أن الموازنة بين الحزم والمرونة هي السبيل الأفضل لضمان مجامع فعّالة دون تجاوزات أو تعطيل.

اليوم، أصبح انتخاب البابا يخضع لقواعد راسخة، واستقرت الأمور بشكل كبير منذ بداية القرن العشرين. فمنذ عام 1903، لم تستغرق أي عملية انتخاب أكثر من خمسة أيام، وهو رقم قياسي يعكس مدى تطور النظام الكنسي وتجنبه للتعقيدات التي طبعت القرون الوسطى.

تغيّر مكان المجمع عبر العصور

أما عن أماكن انعقاد المجامع، فقد كانت في الماضي مرتبطة بالمكان الذي توفي فيه البابا. فبعد وفاة كليمنت الرابع في فيتربو، انعقد المجمع هناك. وكانت تلك العادة شائعة، لكنها سببت مشكلات كثيرة، لا سيما في المدن الصغيرة غير المجهزة لاستقبال أعداد كبيرة من الكرادلة والمرافقين لهم لفترات طويلة، مما خلق توترًا بين السكان والزوار المقدّسين.

ولحل هذه الإشكالية، اتُخذ قرارٌ باعتماد مكان ثابت لعقد المجامع البابوية، فبدأ استخدام كنيسة سيستين في الفاتيكان منذ عام 1492، عندما خلف البابا ألكسندر السادس البابا إنوسنت الثامن. ومنذ عام 1878، أصبحت الكنيسة هي الموقع الرسمي لكل المجامع، ما وفر بيئة مستقرة وآمنة ومنظمة للعملية الانتخابية.

مع ذلك، شهدت بعض الفترات التاريخية استثناءات. فعلى سبيل المثال، عُقد المجمع من عام 1799 حتى عام 1800 في سان جورجيو ماجوري بمدينة البندقية، بسبب الغزو النابليوني لروما، كما احتضنت كنيسة بولين في روما أربعة مجامع بين عامي 1823 و1846، قبل أن تستقر الأمور بشكل نهائي في كنيسة سيستين.

من الفوضى إلى الانضباط

قصة انتخاب البابا ليست مجرد حدث ديني، بل هي شهادة على تطور المنظومة الكنسية عبر القرون، من عصر الفوضى والضغوط السياسية، إلى حقبة الانضباط المؤسسي والممارسات الدقيقة. وبينما ينظر العالم اليوم إلى الدخان الأبيض الخارج من مدخنة كنيسة سيستين بترقب واحترام، فإن وراء هذا المشهد التاريخي حكايات مليئة بالدراما، والتجاذبات، والإصلاحات التي غيّرت وجه الكنيسة الكاثوليكية إلى الأبد.

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى