
في خطوة تُعد تحولًا نوعيًا في خدمات النقل السياحي والترفيهي، تستعد وزارة النقل، بالتعاون مع إحدى الشركات السياحية المتخصصة، لإطلاق أول أتوبيس برمائي في مصر، ليقدّم تجربة فريدة تجمع بين جولات برية ونيلية في مسار واحد. المشروع، الذي ينفذ لأول مرة داخل البلاد، يستهدف ربط عدد من المزارات التاريخية والثقافية بالرحلات النيلية، ليضيف بعدًا جديدًا لحركة السياحة الداخلية والأجنبية.
انطلاقة جديدة تربط البر بالنهر
يأتي تشغيل الأتوبيس البرمائي كأولى الخطوات العملية نحو تطوير منظومة النقل السياحي، بهدف دمج وسائل جديدة تواكب الاتجاهات العالمية في السياحة الترفيهية. ومن المقرر أن يعمل الأتوبيس على مراحل تبدأ من القاهرة، حيث تُنشأ له ممرات دخول وخروج من النهر، من أبرزها نزلة خاصة عند منطقة أثر النبي، وأخرى بمنطقة مصر القديمة، بما يتيح الربط المباشر مع محور الحضارات والمزارات المحيطة مثل مجمع الأديان.
كشف مسئولو الشركة المشغّلة تفاصيل التشغيل، والمناطق المستهدفة، وآلية الحجز، وأسعار الرحلات للمصريين والأجانب، إلى جانب الجوانب الفنية والأمنية المصاحبة لهذا النوع من المركبات.
تجربة تُطبق لأول مرة في مصر
المهندس محمد الشربيني، مسئول التشغيل بالشركة المنفّذة، أوضح أن المشروع يمثل تجربة غير مسبوقة داخل مصر، رغم نجاحها في عدد من الدول الأوروبية مثل السويد والبرتغال وأمستردام ولندن، حيث تحظى تلك الجولات البرمائية بإقبال كبير من السائحين ورحّالة المغامرة. وأضاف أن إدخال هذه التجربة إلى السوق المصرية يعكس حرص الشركة على مواكبة أحدث التوجهات العالمية في صناعة السياحة والترفيه.
جولة تجمع التاريخ بالمياه في ساعة ونصف
ويمتاز الأتوبيس البرمائي بقدرته على السير في البر والنهر خلال جولة واحدة متكاملة تمتد بين 60 و90 دقيقة. تبدأ الرحلة بالسير على الطرق البرية لمدة تقارب 20 دقيقة، يتعرّف خلالها الركاب على عدد من الشوارع الحيوية والمعالم المجاورة، قبل أن ينحدر الأتوبيس تدريجيًا عبر الممر المخصص ليدخل نهر النيل ويستكمل رحلته المائية.
وفي الجزء النهري، تتاح للركاب فرصة مشاهدة المعالم والمزارات السياحية من زاويتين: من البر ومن قلب الماء، في تجربة وصفها الشربيني بأنها “لا تشبه أي جولة تقليدية في مصر”، نظرًا لدمجها ما بين الجغرافيا والمشهد الحضاري في آن واحد. وتنتهي الجولة بالعودة إلى نقطة الانطلاق، ليحصل الزائر على رحلة كاملة مريحة وآمنة.
تشغيل تجريبي خلال 3 أسابيع من متحف الحضارة
وأشار الشربيني إلى أن التشغيل التجريبي سيبدأ خلال ثلاثة أسابيع فقط، على أن تكون نقطة الانطلاق الرئيسية من منطقة أثر النبي والمتحف القومي للحضارة المصرية. هذا المسار يهدف إلى الربط بين متحف الحضارة ومنطقة الملك الصالح، في تجربة مزدوجة تجمع بين السياحة النيلية والسياحة الثقافية والتراثية.
التوسع إلى الأقصر وأسوان خلال المرحلة الثانية
ولم يقتصر المشروع على القاهرة فقط، إذ كشف الشربيني أن المرحلة التالية ستشمل مدينتي الأقصر وأسوان، باعتبارهما من أهم المقاصد السياحية في مصر، خاصة خلال موسم الشتاء. وسيتم تشغيل أتوبيسين إلى ثلاثة داخل القاهرة أولًا، ثم نقل التجربة إلى صعيد مصر، مع تخصيص أحد الأتوبيسات ليكون مكشوفًا، بما يمنح الزائرين فرصة للاستمتاع بأجواء الطبيعة والنيل.
أسعار تنافسية.. وتجربة في متناول الجميع
وفيما يتعلق بالأسعار، أكد الشربيني أنها ستكون مناسبة لمختلف الفئات، حيث تتراوح بين 100 و250 جنيهًا للمصريين، وبين 15 و25 دولارًا للأجانب، وتشمل الرحلة الكاملة بشقيها البري والنهري. وسيكون الحجز متاحًا بسهولة عبر الموقع الإلكتروني أو التطبيق الرسمي أو من خلال QR Code، إلى جانب إتاحة برامج متكاملة لشركات السياحة والمجموعات.
معايير أمان أوروبية واختبارات صارمة
وحول عوامل الأمان، أكد مسئول التشغيل أن الأتوبيس حصل على شهادات الأيزو وشهادات أمان أوروبية معتمدة بعد اختباره بنجاح في مالطا، مشيرًا إلى أنه مجهّز بأعلى المواصفات القياسية، بما في ذلك سترات نجاة، وأنظمة إضاءة خاصة للطوارئ، وتجهيزات تساعد على الإنقاذ والإخلاء السريع. كما جرى التعاقد مع شركة إنقاذ نهري تتواجد بشكل دائم على مسار الرحلات لضمان أعلى مستويات السلامة.
تدريب معتمد للسائقين والمرشدين السياحيين
ولفت الشربيني إلى أن السائقين والمرشدين المعتمدين للمشروع حصلوا على دورات مكثفة في مجالي الأمان والإنقاذ من الهيئة العامة للنقل النهري. ويحمل الأتوبيس رخصتين رسميتين: إحداهما برية مثل أي مركبة تقليدية، والأخرى نهرية مثل القوارب السياحية، وذلك بالتنسيق الكامل مع وزارة النقل وهيئة النقل النهري.
“نايل باص” مشروع جديد يواكب رؤية مصر للسياحة الذكية
ويأتي مشروع الأتوبيس البرمائي ضمن منظومة “نايل باص” التي تطورها شركة “برايم جروب”، وهي الجهة نفسها التي أعلنت مؤخرًا عن مشروع التاكسى الطائر (Air Taxi) في مصر. وبهذا المزج بين خدمات النقل الجوي والنهري، تسعى الشركة لتقديم منصة سياحية وترفيهية متكاملة تعزز من مكانة مصر كوجهة سياحية متجددة ومتطورة.
ويبلغ طول الأتوبيس 12 مترًا، وعرضه 2.5 متر، وارتفاعه 3.80 متر، بينما تصل سرعته البرية إلى 100 كيلومتر في الساعة، وتترواح سرعته داخل الماء بين 15 و18 كيلومترًا، وهو ما يمنحه مرونة عالية بين التحرك على الطرق والدخول إلى النهر بانسيابية وسلاسة.
تجربة تعيد تشكيل المشهد السياحي المصري
يمثل الأتوبيس البرمائي خطوة غير تقليدية تعكس رغبة واضحة في الابتكار وتطوير القطاع السياحي، خاصة مع الدمج بين التكنولوجيا والمعالم الحضارية والنيلية. ومن المتوقع أن يسهم المشروع في جذب شرائح جديدة من الزائرين، سواء من المصريين الباحثين عن تجربة مختلفة أو من السائحين الراغبين في اكتشاف القاهرة التاريخية من منظور جديد يجمع بين البر والنيل في آن واحد.
إنها تجربة تُعيد رسم مسار السياحة النيلية وتفتح آفاقًا جديدة أمام صناعة السياحة المصرية، بما يتماشى مع جهود الدولة لتعظيم الاستفادة من إمكانات القاهرة والمدن السياحية الكبرى، وتعزيز صورة مصر كدولة تتبنى رؤى مبتكرة تستحق الاكتشاف.





