
شهدت جمهورية مصر العربية مؤخرًا اهتمامًا متزايدًا بإحياء نظام الكتاتيب، وهو النظام التعليمي التقليدي الذي كان يُعتمد عليه في تعليم الأطفال أساسيات القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم. تأتي هذه الخطوة ضمن جهود وزارة الأوقاف لتطوير الوعي الديني والثقافي لدى الأجيال الصاعدة والحفاظ على تراث دولة التلاوة.
أول كتّاب بقرية ميت حمل
في محافظة الشرقية، تحديدًا بقرية ميت حمل، تم افتتاح أول كتّاب بعد 48 ساعة فقط من الحصول على الموافقة الرسمية. يُعد هذا الإنجاز نموذجًا يعكس سرعة الاستجابة والتفاعل مع مبادرة عودة الكتاتيب. وقد أشاد أهالي القرية بهذا الجهد، معتبرين إياه خطوة نحو تعزيز القيم الدينية والاجتماعية لدى الأطفال.
يهدف الكتّاب إلى تقديم تعليم متكامل للأطفال من خلال تحفيظ القرآن الكريم وتعليمهم مبادئ اللغة العربية والحساب، مع التركيز على القيم الأخلاقية والتربية الإسلامية. وقد أبدى الأهالي حماسهم لدعم هذه المبادرة، حيث سجل العديد منهم أبناءهم في الكتّاب فور الإعلان عن افتتاحه.
أهداف مبادرة عودة الكتاتيب
أعلنت وزارة الأوقاف أن هذه المبادرة تهدف إلى:
- الحفاظ على تراث التلاوة: تمثل الكتاتيب جزءًا أصيلًا من تاريخ التعليم الديني في مصر، وتسعى المبادرة إلى إحياء هذا التراث وتطويره.
- تعزيز الوعي الديني: من خلال تعليم الأطفال القرآن الكريم وتعاليم الإسلام بطريقة مبسطة ومناسبة لأعمارهم.
- تقوية اللغة العربية: يعد تعليم اللغة العربية جزءًا أساسيًا من المناهج التعليمية في الكتاتيب، مما يسهم في تنشئة أجيال قادرة على قراءة النصوص الدينية وفهمها.
- القيم الأخلاقية: تسعى الكتاتيب إلى غرس القيم الأخلاقية والتربوية لدى الأطفال، مما يساعد على بناء مجتمع متماسك.
الإقبال الكبير على المبادرة
منذ إطلاق مبادرة عودة الكتاتيب، تلقت مديرية أوقاف الشرقية أكثر من 150 طلبًا لإنشاء كتاتيب جديدة في مختلف القرى والمراكز. يعكس هذا الإقبال الكبير مدى اهتمام الأهالي بإعادة إحياء هذه المؤسسات التعليمية، خاصة في ظل التحديات التي تواجه النظام التعليمي الحديث.
وقد صرح الشيخ محمود عبد العزيز، مدير أوقاف الشرقية، بأن الوزارة تعمل على دراسة جميع الطلبات بعناية لضمان اختيار المواقع المناسبة وتوفير الكوادر المؤهلة لتشغيل الكتاتيب. وأضاف أن الوزارة تسعى لتقديم الدعم اللازم لضمان نجاح هذه المبادرة واستمراريتها.
دور الكتاتيب في التنمية المجتمعية
لا تقتصر أهمية الكتاتيب على التعليم الديني فقط، بل تمتد إلى تعزيز التنمية المجتمعية. فالكتاتيب تُعد وسيلة فعالة لتوفير بيئة آمنة للأطفال، حيث يُمكنهم تعلم مهارات جديدة والتفاعل مع أقرانهم في جو من المحبة والتعاون. كما تُسهم في تقوية الروابط بين أفراد المجتمع، حيث يجتمع الأهالي حول هدف مشترك يتمثل في تعليم أبنائهم.
التحديات التي تواجه المبادرة
رغم الإيجابيات العديدة لمبادرة عودة الكتاتيب، إلا أنها تواجه بعض التحديات التي قد تعوق تحقيق أهدافها، ومن أبرزها:
- نقص الكوادر المؤهلة: يحتاج تشغيل الكتاتيب إلى معلمين مؤهلين يمتلكون الخبرة في تحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية.
- الموارد المالية: يتطلب تشغيل الكتاتيب توفير ميزانية لتغطية تكاليف التشغيل، بما في ذلك رواتب المعلمين وصيانة المباني.
- التحديات المجتمعية: قد تواجه المبادرة مقاومة من بعض الأهالي الذين يفضلون الاعتماد على النظام التعليمي الحديث فقط.
الحلول المقترحة
لمواجهة هذه التحديات، تقترح وزارة الأوقاف:
- تدريب المعلمين: توفير دورات تدريبية للمعلمين لرفع كفاءتهم وتمكينهم من أداء مهامهم بفعالية.
- الدعم المالي: التعاون مع الجمعيات الخيرية والمؤسسات الحكومية لتوفير التمويل اللازم.
- التوعية المجتمعية: تنظيم حملات توعوية لتسليط الضوء على أهمية الكتاتيب ودورها في تنشئة الأجيال.
تُعد مبادرة عودة الكتاتيب خطوة هامة نحو إحياء تراث تعليمي عريق يعكس هوية المجتمع المصري وقيمه الدينية والثقافية. ومع استمرار دعم الأهالي والجهات المسؤولة، يمكن لهذه المبادرة أن تحقق نجاحًا كبيرًا وتسهم في بناء أجيال متعلمة وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
قرية ميت حمل في محافظة الشرقية هي البداية، لكنها ليست النهاية. فمع انتشار الكتاتيب في مختلف المحافظات، ستظل هذه المبادرة رمزًا للتطوير والتنمية المجتمعية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.