تحقيقات وملفات

الحرب تلتهم الاقتصاد الإسرائيلى.. خسائر فادحة وتراجع السياحة وتنامى العجز وسط ضغوط دولية متزايدة

تعيش إسرائيل واحدة من أصعب أزماتها الاقتصادية منذ عقود، بفعل استمرار الحرب على قطاع غزة وما يصاحبها من عمليات عسكرية فى مدن الضفة الغربية المحتلة، بجانب المناوشات العسكرية مع إيران ولبنان والحوثيين فى اليمن. هذه الحروب المتزامنة لا تُنهك جيش الاحتلال فحسب، بل تضرب الاقتصاد الإسرائيلى فى العمق، على المدى القصير والمتوسط، وتترك بصمة واضحة على ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين.

حالة القلق الأمنى المستمرة جعلت العديد من الشركات الأجنبية تُعيد النظر فى ضخ استثمارات جديدة داخل إسرائيل، فى ظل بيئة غير مستقرة ومخاطر سياسية وأمنية متفاقمة. هذا المناخ المضطرب أضعف الروابط التجارية مع دول العالم، وجعل الأسواق أكثر عزلة، بينما يعيش المستثمرون حالة من عدم اليقين حيال مستقبل الاقتصاد الإسرائيلى.


خسائر ممتدة على مدى عقد قادم

على مدار ما يقرب من عامين منذ بدء حرب الإبادة على غزة، تكبد الاقتصاد الإسرائيلى خسائر ضخمة انعكست على جميع القطاعات، من ارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ النمو، إلى اتساع العجز المالى. وتشير تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية إلى أن الخسائر الاقتصادية على مدى السنوات العشر المقبلة قد تصل إلى 400 مليار دولار، تشكل 90% منها آثار غير مباشرة مثل تراجع الاستثمار، وتعطل الأسواق، وانخفاض إنتاجية العمالة.

وفى الوقت ذاته، تتوقع الخطة المالية الحكومية أن يبلغ العجز 2.8% من الناتج المحلى الإجمالى فى عامى 2026 و2027، وأن يصل إلى 2.9% فى 2028. أما فى المدى القريب، فالعجز مرشح لتسجيل نحو 5% هذا العام، بعد أن بلغ 6.9% فى 2024، نتيجة القفزة الكبيرة فى الإنفاق الحربى.


تكلفة حرب يومية بالملايين

بحسب تصريحات وزير الخزانة الإسرائيلى، تبلغ التكلفة اليومية المباشرة للحرب حوالى 246 مليون دولار، بينما قدرت صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية تكلفة الحرب على غزة حتى نهاية 2024 بحوالى 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار). كما سجلت الميزانية عجزًا بلغ 19.2 مليار شيكل (5.2 مليار دولار) فى ديسمبر الماضى، مدفوعًا بزيادة الإنفاق على جبهتى غزة ولبنان.

بنك إسرائيل من جانبه، زاد من مبيعات السندات الحكومية والاقتراض لتمويل النفقات العسكرية، ويتوقع أن يتراوح عجز الميزانية بين 3.5% و4% فى عامى 2027 و2028، متجاوزًا بذلك تقديرات الحكومة.


تضخم وأسعار فائدة فى وضع حرج

مع استمرار الحرب، توقع بنك إسرائيل خفض سعر الفائدة القياسى من 4.5% إلى 4% بحلول أوائل 2026، على أمل تراجع التضخم الذى سجل ارتفاعًا إلى 3.6% فى أبريل الماضى، مقابل 3.3% فى مارس، متجاوزًا النطاق المستهدف بين 1% و3%.


عزلة تجارية وضغوط سياسية دولية

رغم الدعم الأمريكى المفتوح لتل أبيب، فإن واشنطن فرضت رسوما جمركية على السلع الإسرائيلية بنسبة تصل إلى 10%، بجانب رسوم اقتصادية أخرى. وفى أوروبا، أعلنت الدائرة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبى وجود مؤشرات على انتهاك إسرائيل التزاماتها الحقوقية وفق اتفاقياتها مع الاتحاد. وتعمل بروكسل على إعداد مقترحات لوزراء الخارجية قد تشمل تعليقًا كاملاً للتجارة مع إسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية بسبب ممارساتها فى غزة والضفة الغربية.

إلى جانب ذلك، لجأت دول ومنظمات دولية فى السابق إلى فرض قيود تجارية، وتجميد أصول، ووقف صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إسرائيل، كما أوقفت بعض الدول تصدير الفحم إليها. وآخر هذه الخطوات جاء من ألمانيا، الحليف التقليدى لتل أبيب وثانى أكبر مصدر للأسلحة لها بعد الولايات المتحدة، حيث أوقفت برلين صادراتها العسكرية بسبب خطط إسرائيل التوسعية فى غزة.


تراجع التصنيف الائتمانى

وكالات التصنيف الدولية الثلاث الكبرى «موديز» و«فيتش» و«ستاندرد آند بورز» خفضت جميعها تصنيف إسرائيل منذ أغسطس 2024، محذرة من غياب استراتيجية مالية واضحة لإدارة الضرائب والإنفاق حتى عام 2025.

الأوضاع الداخلية ليست أفضل حالًا؛ فقد ارتفعت تكاليف المعيشة وتباطأ النمو، وتم إجلاء نحو 250 ألف مستوطن من الجنوب والشمال، 40% منهم لم يعودوا حتى الآن، وأُسكنوا فى 438 فندقًا ومنشأة إخلاء، بتكلفة بلغت 6.4 مليارات شيكل (1.8 مليار دولار). ووفق بيانات البنك المركزى، انكمش نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 0.1% خلال العام الماضى.


سياحة منهارة وشركات مغلقة

الحرب كانت القشة التى قصمت ظهر قطاع السياحة الإسرائيلى. فقد تراجعت أعداد السياح الوافدين بأكثر من 90% منذ أكتوبر 2023، فيما انخفضت إيرادات السياحة بنحو 3.4 مليارات دولار. كما توقفت معظم شركات الطيران الدولية عن تسيير رحلات إلى تل أبيب، مما عزل إسرائيل سياحيًا بشكل شبه كامل.

التداعيات طالت القطاع الخاص أيضًا، إذ أُغلق نحو 60 ألف منشأة سياحية وتجارية فى 2024، بزيادة 50% عن السنوات السابقة. وفى قطاع السياحة وحده، تقلصت القوة العاملة من 3000 موظف إلى نحو الثلث فقط.


آفاق اقتصادية قاتمة

محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، حذر من أن استمرار الحرب لستة أشهر أخرى سيؤدى إلى خفض النمو الاقتصادى نصف نقطة مئوية إضافية فى 2025، ورفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى من 69% إلى 71%. وأكد أن تكاليف الحرب لا تقتصر على الذخائر والطائرات، بل تمتد لتشمل التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية، ما يهدد إسرائيل بخسائر طويلة الأمد فى البنية التحتية، والقطاعات السياحية والعقارية، وغيرها.


بهذا المشهد، يبدو أن الحرب لا تُحاصر الفلسطينيين فقط، بل تضيق الخناق على إسرائيل اقتصاديًا وسياسيًا، وتضعها أمام عزلة متزايدة، فيما يستمر النزيف المالى بوتيرة تنذر بانهيارات أوسع فى السنوات المقبلة.

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى