المرأه

“مقياس اللهفة: كيف نعرف من يحبنا حقًا؟”

دينا زكريا

في زمنٍ كثرت فيه العلاقات وتعددت وجوه القرب والاهتمام، بات من الصعب أن نميّز الحب الحقيقي من غيره. صارت المشاعر تُقاس بوقت الرد على الرسائل، وبطول المكالمات، وعدد الزيارات، ولكن هناك مقياسًا دقيقًا قد نغفله جميعًا، وهو “اللهفة”.

اللهفة ليست مجرد شوق… إنها ذلك الشعور العميق بالاستعجال لرؤية من نحب، أو سماع صوته، أو الاطمئنان عليه حتى وإن لم يكن هناك ما يستدعي القلق. إنها رغبة صادقة في البقاء بالقرب، لا تبحث عن مبررات أو وقت مناسب… هي الحنين الذي لا ينتظر.

اللهفة لا تُدرّب… إنها تولد مع الحب الحقيقي

حين يحبك أحدهم بصدق، لن يتعامل معك كجزء من يومه، بل سيجعلك أولويته مهما ازدحمت ساعات يومه. سترى عينيه تسبق كلماته حين يلقاك، وتلمح في تصرفاته استعجالًا لا إراديًا نحوك. لا ينتظر أن تحدث مشكلة كي يسأل عنك، ولا يحتاج إلى مناسبة ليقول لك “أنا جنبك”.

الحب الذي لا ينتظر هو الحب الذي لا يخذلك.

حين يكون الاستعجال دليلًا على الاحترام

بعض الناس يعتقدون أن الاستعجال في السؤال أو المبادرة بالاتصال هو ضعف، أو قلة كرامة، أو اندفاع عاطفي لا يُحمد عقباه. لكن الحقيقة أن هذا الاستعجال – متى كان نابعًا من حب صادق – هو أعظم تعبير عن الاحترام، وأرقى درجات الاهتمام.

الذي يحبك بحق، يخشى على قلبك من الانكسار… لا يتحمل أن يراك حزينًا أو مرتبكًا أو وحيدًا. اللهفة عنده ليست فقط شوقًا، بل أيضًا نوع من الخوف النبيل، القلق الجميل، الذي يترجم الحب إلى أفعال.

العلاقات الباردة لا تبني دفءً

على الجانب الآخر، ثمة علاقات تسير بوتيرة بطيئة إلى حد الموت. لا استعجال في السؤال، ولا لهفة في اللقاء، ولا مسارعة إلى الصلح عند الخصام. أصحاب هذا النوع من العلاقات يبدون وكأنهم يسيرون على مهلٍ نحو المجهول، دون شغف أو شعور بالمسؤولية تجاه من يشاركونهم المسار.

هذا “الهدوء الزائد” لا يحمل راحة بقدر ما يحمل برودًا… وفي كثير من الأحيان يكون مؤشرًا على غياب القيمة، أو غياب التقدير. فالشخص الذي لا يستعجل لسماعك، ولا يتوق لطمأنتك، ولا يسارع لإرضائك إن أغضبك، قد لا يرى فيك ما يستحق العجلة. وقد لا يكون مستعدًا من الأساس لاحتواء العلاقة.

هل ما زلتَ تحب من لا تشتاق لرؤيته؟

سؤال مربك لكنه ضروري. كثير من الناس يستمرون في علاقات فاترة بدافع التعود، أو الخوف من الفقد، أو الحنين إلى لحظات قديمة. ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن الحب حين يفقد لهفته، يوشك أن يتحول إلى عادة.

حين تلاحظ أنك لم تعد تستعجل رؤية أحد، أو لا يهمك أن تتحدث معه كما كنت تفعل سابقًا، أو لم تعد تفرح لفرحه كما كنت، فعليك أن تتوقف قليلًا. اسأل نفسك: هل ما زال هذا الشخص يحتل مكانًا في قلبك؟ أم أن وجوده صار مجرد روتين؟

قد تكون الإجابة صادمة، لكنها ضرورية. لأن المشاعر التي تُترك دون مراجعة، تذبل بصمت.

الحب ليس انتظارًا دائمًا… بل حضور دائم

من يحبك بحق، لن يجعلك تنتظر طويلًا. لن تكون مضطرًا لكتابة رسائل متعددة دون رد، أو تكرار الاتصالات دون إجابة، أو تقديم الأعذار نيابة عنه في كل مرة يتأخر أو يغيب. المحب الحقيقي يظهر قبل أن تسأل، ويتكلم قبل أن تُعاتب، ويصل إليك حين تكون في أمسّ الحاجة، لا حين تسمح له الظروف.

الحب ليس لعبة توقيت، بل اختبار اهتمام. والاهتمام لا يحتاج إلى مجهود كبير، بل إلى نية صافية.

حين تكون “اللهفة” هي الجواب

في النهاية، لا يحتاج الإنسان إلى اختبارات معقدة ليعرف إن كان محبوبًا. يكفي أن يرى “اللهفة” في عيون من يحبونه. يكفي أن يشعر أنه مهم بما يكفي ليكون أول من يُسأل عنه، وأول من يُفرح، وأول من يُحتضن عند الفرح أو الحزن.

فإن وجدت هذه اللهفة، فتمسك بها جيدًا… وإن غابت، فربما حان وقت المراجعة.

ac530c2583ef3cbc10931b6bebc4a312 black couple in pjs holding mugs l couple woman hug laughing home 600nw 2475090243 loving indian man hugging comforting 600nw 2426219267

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى