المصري الوطني

“المسرح بيفرحنا”.. خالد جلال يُطلق شرارة الدورة 18 للمهرجان القومي للمسرح بعرضٍ احتفالي يبهر القلوب ويعيد سحر الخشبة

في ليلة استثنائية مزجت بين البهجة والحنين، وبين الوفاء والإبداع، أطلق المخرج الكبير خالد جلال افتتاح فعاليات الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، واضعًا بصمته الإخراجية الفريدة على عرض افتتاحي حمل من الحب للمسرح ما يكفي ليُشعل جذوته في قلوب الحاضرين.

في نحو عشرين دقيقة فقط، نسج جلال لوحة فنية متكاملة، قدّم فيها المسرح كما ينبغي أن يكون: صادقًا، نابضًا، مفاجئًا، وفي ذات الوقت بسيطًا وعميقًا. لم يكن العرض مجرد تدشين رسمي للمهرجان، بل كان احتفالًا حقيقيًا بروح المسرح، حفلًا للفكرة، ومرآةً لما يجري خلف الكواليس حين يجتمع العاشقون الحقيقيون على هدفٍ نبيل.


عرض عن المسرح… من قلب كواليسه

بعيدًا عن التقليدية التي اعتدناها في افتتاحيات المهرجانات، كسر العرض الإيقاع المعتاد، وجاء على هيئة “عرض داخل عرض” (Meta-Theatre)، حيث نشاهد المخرج خالد جلال في حالة من الانشغال والقلق، يُطارده القائمون على المهرجان مطالبين منه تفاصيل العرض، بينما هو يتمسك بأفكاره في صمتٍ شديد، ويكتفي بجملة تنطق بكامل فلسفة العرض:
“هو الافتتاح عبارة عن إيه؟ عن المسرح! وإن المسرح جميل، المسرح متألق، والمسرح عظيم، والختام بيكون: ألف مبروك… والمسرح بيفرحنا!”

هذه العبارة المفتاحية لم تكن مجرّد سطر عابر، بل كانت عمود العرض الفقري، فالمسرح هنا ليس مناسبة تُفتتح بخطابات، ولا صالة تُضاء للحضور الرسمي فحسب، بل هو كيانٌ حيّ، يحتفي بنفسه، ويُعيد تقديم نفسه عبر عيون عشّاقه.


كوميديا ذكية… ونقد لاذع من داخل المحبة

بحسّه الساخر وميله المعروف للكوميديا القائمة على المفارقة، استطاع خالد جلال أن يرسم ضحكة ذكية على وجوه الحضور.
أحد أبرز محاور العرض الكوميدية كان حواره الطريف مع جمال عبد الناصر، رئيس اللجنة الإعلامية للمهرجان، الذي أصرّ في مشهدٍ متكرر على معرفة تفاصيل العرض بغرض الإعلان عنها في الصحف، بينما واصل جلال في رفضه المتعنت لذلك، في حوارات شديدة العفوية، عبّرت عن التوتر اللذيذ بين صُنّاع الفن ومن ينقلونه للجمهور.

لم تكن هذه الكوميديا للضحك فحسب، بل كانت نقدًا رشيقًا لآليات العمل الثقافي، وللتداخل بين الإعلام والمسرح، وكأن العرض يقول للجميع: حتى خلف المهرجانات هناك كوميديا من نوع خاص، لها أبطالها وتناقضاتها.


عمرو عبد العزيز… نجم النوستالجيا

في موازاة الخط الساخر، قدم الفنان عمرو عبد العزيز أداءً لافتًا من خلال تقليده لمجموعة من عمالقة المسرح المصري، كـ سمير غانم، وسناء جميل، ويوسف داوود.
لم يكن التقليد مجرد استعراض مهارات، بل استحضار حقيقي لروح هؤلاء الكبار، واستعادة لفن الزمن الجميل، في مشهد من النوستالجيا أعاد الحنين إلى جمهور المسرح، وذكّرهم بأن هناك من لا تزال أصواتهم تتردد على الخشبة رغم الغياب.


تراجيديا تلامس القلب: صوت النساء في مسرح سميحة أيوب

العرض لم يكتف بالضحك، بل استدعى الدموع أيضًا.
في خطٍّ درامي موازٍ، قدّمت غادة طلعت وفاطمة محمد علي مونولوجين من أداء سميحة أيوب، الأول من “سكة السلامة”، والثاني من “الوزير العاشق”، فكان الأداء متقنًا، مفعمًا بالشجن، مكرّسًا لفكرة أن الكلمة هي أساس المسرح، وأن التراجيديا جزء لا يتجزأ من مسيرة الفن.

وما بين الضحك والبكاء، ظل العرض محتفظًا بتوازنه، لا يسقط في الميلودراما، ولا يغرق في التهريج، بل يسير بثقة على حبل مشدود من الصدق الفني.


“الكلمة”… مشهد ختام داخلي يهزّ المشاعر

وفي ذروة التعبير الوجداني، جاء مشهد مونولوج “الكلمة”، الذي قدّمه ميدو عادل بصحبة صوت الفنان محمد عبده. لحظة مسرحية حقيقية جمعت الأداء الصوتي بالبصري، واستدعت في الجمهور كل الأحاسيس المكبوتة، مؤكدة أن الكلمة تظل أقدس عناصر المسرح، وأشرف أسلحته في وجه العبث والنسيان.


أبطال العرض… بأسمائهم الحقيقية

ما ميّز هذا العمل الاحتفالي عن سواه، هو مشاركة فريق كبير من خريجي مركز الإبداع الفني، والذين قدّموا أنفسهم بشخصياتهم الحقيقية، في انصهارٍ نادر بين الواقع والتمثيل.
ظهر كل منهم باسمه الحقيقي، دون أقنعة، ليعلنوا بأن المسرح هو المكان الذي يسمح للإنسان أن يكون حقيقياً، وأن التعبير الصادق لا يحتاج دائمًا إلى دور أو سيناريو، بل إلى نية طيبة وروح عاشقة.

وشارك في العرض كل من: ميدو عادل، عمرو عبد العزيز، غادة طلعت، مريم السكري، حبيبة حاتم، فرح حاتم، إبراهيم طلبة، نادين خالد، مي حسين، حبيبة زيتون، شيما بن عشا، أمنية السيد، نهى فريد، خالد رسلان، أحمد وهبة، سيف أمين، أشرف كابونجا، محمد سراج (ستار أكاديمي)، المطربة فاطمة محمد علي، محمد عبده (واما)، وغيرهم من المبدعين.

كما ظهر أيضًا مهندس الديكور محمد الغرباوي، والمخرج المنفذ علا فهمي، والمصمم الاستعراضي مناضل عنتر، والمصممة هالة الزهوي، والشاعران محمد بهجت وعماد عبد المحسن، ليصبح العرض حالة نادرة من وحدة المبدعين، حيث كل شخص جزء من الحكاية، وكل مبدع بطل بصورته الحقيقية.


ختام… يليق بالروح المسرحية

تُوّج العرض برقم غنائي استعراضي ضخم بعنوان “افتح ستاير مسارحنا”، وهو العنوان الذي تحوّل إلى صرخة فرح وأمل في آنٍ واحد.
تلك الجملة البسيطة التي كتبها محمد بهجت ولحّنها أحمد طارق يحيى، تحوّلت إلى نشيد جماعي يحمل في معانيه دعوة لإعادة الروح إلى المسارح المغلقة، وصلاة فنية تُرفع من فوق الخشبات لكل مَن آمن بأن المسرح يمكنه أن يُغيّر، ويُضيء، ويُبهر.


خالد جلال… حين يتكلم المسرح بلغة الحب

ما فعله خالد جلال لم يكن عرضًا عادياً، ولا مشهدًا افتتاحيًا عابرًا، بل كان درسًا في العشق المسرحي، حيث أدار بعين المخرج، وقلب العاشق، ومهارة الممثل.
فجر اللحظة الحيّة، ولامس جوهر المسرح دون زينة زائفة أو شعارات جوفاء. اختصر الحكاية كلها في فكرة بسيطة: المسرح بيفرحنا.


تحية تقدير.. ورسالة للمستقبل

بهذا العرض، أثبت خالد جلال مجددًا أن الضيق الزمني لا يُقيد الإبداع، وأن العمل الجماعي حين يُبنى على الصدق يصبح احتفالًا حقيقيًا بالحياة.
هذه الافتتاحية ليست فقط بداية مهرجان، بل بداية حلم جديد لمستقبل المسرح المصري.
وقد أكّد العرض، ببساطته وعبقريته، أن “المسرح لا يموت أبدًا، طالما هناك من يفتح ستائره بحب”.

th

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى