
كتب / الأستاذ أحمد بلحاج، رئيس الغرفة الدولية للإدارة العادلة
الشكر.. كلمةٌ بسيطةٌ في حروفها، لكنها عميقةٌ في معناها. ليست مجرد عبارة نرددها عندما نُمنح هديةً أو نعمةً، بل هي حالةٌ من الوعي والامتنان تُغيّر نظرتنا إلى الحياة. رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم علّمنا هذا المعنى العميق عندما قال: *”أفلا أكون عبدًا شكورًا”*. هذه العبارة ليست مجرد دعوةٍ للشكر، بل هي منهج حياةٍ يُرشدنا إلى كيف نعيش بنور الشكر، بعيدًا عن ظلام الكفران.
*الشكر: طريقٌ إلى الجمال والإصلاح*:
عندما تشكر، فإنك تُضيء شمعةً في قلبك. الشكر يجعلنا نرى النعم في كل شيءٍ، حتى في أصغر التفاصيل. هل فكرت يومًا كم هي نعمةٌ أن تستيقظ صباحًا وتتنفس هواءً نقيًّا؟ أو أن تمتلك صحةً تسمح لك بالحركة والعمل؟ الشكر يجعلنا ندرك هذه النعم، ويُعلّمنا أن نستخدمها في الخير.
الشاكرون هم أولئك الذين يشعون بنور الجمال. هم الذين يُحسنون إلى أنفسهم وإلى من حولهم، لأنهم يعرفون أن النعم أمانةٌ يجب أن نُحسن استخدامها. الشكر يجعلنا أكثر عدلاً، لأننا نعترف بحقوق الآخرين ونعطي كل ذي حقٍّ حقّه. وهو أيضًا يجعلنا أكثر إصلاحًا، لأننا نستخدم نعم الله في بناء أنفسنا ومجتمعاتنا، بدلًا من هدمها.
*الكفران: ظلامٌ يؤدي إلى الظلم والفساد*:
لكن ماذا عن أولئك الذين لا يشكرون؟ الكفران ليس فقط إنكارًا لوجود الله، بل هو أيضًا إنكارٌ للنعم. هناك من يعترف بوجود خالقٍ لهذا الكون، لكنه يغطي نعمه ولا يعترف بها. هؤلاء يعيشون في ظلامٍ، لأنهم لا يرون الجمال في النعم، ولا يعترفون بفضل الله عليهم.
الكفران يجعل الإنسان أنانيًّا. هو الذي يستغل النعم لنفسه فقط، دون أن يُفكر في الآخرين. هو الذي يُسرف في استخدام الموارد، ويُهمل البيئة، ويُفسد في الأرض. الكفران يؤدي إلى الظلم، لأن من لا يشكر الله لا يعترف بحقوق الآخرين، فيظلمهم ويستغلهم.
*الكفران مع الاعتراف بوجود الخالق*:
قد يعترف بعض الناس بوجود الله، لكن غياب الشكر يجعلهم في خانة الكفران. هؤلاء قد يستخدمون نعم الله في المعاصي أو الإفساد في الأرض، مما يجعلهم ظالمين لأنفسهم وللآخرين. القرآن الكريم يذكر لنا قصة قارون، الذي اعترف بوجود الله لكنه كفر بنعمته، فكان مصيره الخسران. يقول تعالى: *{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ}* (القصص: 76). هذه القصة تُظهر أن الكفران يؤدي إلى الظلم والفساد، حتى لو كان الشخص يعترف بوجود الله.
*العدل والإصلاح: ثمار الشكر*:
الشكر يدفعنا إلى العدل، لأنه يُعلّمنا أن نعترف بحقوق الآخرين ونعطي كل ذي حقٍّ حقّه. وهو أيضًا يدفعنا إلى الإصلاح، لأنه يجعلنا نستخدم نعم الله في بناء أنفسنا ومجتمعاتنا. الشاكرون هم أولئك الذين يُحسنون إلى أنفسهم وإلى من حولهم، ويُسهمون في إصلاح المجتمع والبيئة.
في المقابل، الكفران يؤدي إلى الظلم والفساد، لأن من لا يشكر الله لا يعترف بحقوق الآخرين، فيظلمهم ويستغلهم. الكفران يجعل الإنسان يعيش في ظلامٍ، لأنه لا يرى الجمال في النعم، ولا يعترف بفضل الله عليه.
في النهاية، الشكر هو طريقٌ إلى النور والجمال، بينما الكفران هو طريقٌ إلى الظلام والفساد. الشكر يجعلنا أكثر عدلاً وإصلاحًا، بينما الكفران يجعلنا أكثر ظلمًا وإفسادًا. فلنكن من الشاكرين الذين يعترفون بنعم الله ويُحسنون استخدامها، ولنبدأ برحلة الشكر من خلال التأمل في نعم الله، ثم ترجمة هذا الشكر إلى أفعالٍ تُصلح أنفسنا ومجتمعاتنا.
كما قال تعالى: *{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}* (إبراهيم: 7). فالشكر هو مفتاح الزيادة والبركة، وهو طريقنا إلى حياةٍ أفضل. ولنكن مثل آل داوود، الذين أمرهم الله بالشكر من خلال العمل، فقال تعالى: *{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}* (سبأ: 13). فالشكر الحقيقي ليس فقط باللسان، بل بالعمل الجادّ والإخلاص في استخدام النعم لخدمة أنفسنا ومجتمعاتنا.