أخبار عربية

تصميم التهيئة بالرباط: بين سياسات الهدم والترحيل وتحديات التنمية الحضرية

كتب / الكارح ابو سالم

تعد مدينة الرباط، عاصمة المغرب، واحدة من المدن التي شهدت تطورًا عمرانيًا ملحوظًا في العقود الأخيرة. وقد ارتبط هذا التطور بسياسات التهيئة الحضرية التي تستهدف تحسين البنية التحتية وتطوير الأحياء. إلا أن هذه السياسات غالبًا ما تواجه انتقادات واسعة بسبب تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بعمليات الهدم والترحيل التي تؤثر على شريحة واسعة من السكان. في هذا السياق، ناقش برنامج “وجها لوجه” على قناة فرانس 24 هذه القضية، مستضيفًا كلًا من الكارح أبو سالم، إعلامي ومدير العلاقات العامة والإعلام بالاتحاد العربي للبناء والتنمية العقارية – المكتب الإقليمي بالمغرب، وفاروق مهداوي، الكاتب العام لفيدرالية اليسار الديمقراطي. هذا المقال يستعرض أبرز محاور النقاش ويحلل أبعاد تصميم التهيئة الحضرية في الرباط.

مفهوم تصميم التهيئة وأهدافه

يعتبر تصميم التهيئة أداة قانونية وتقنية تهدف إلى تنظيم المجال العمراني بما يحقق تنمية متوازنة ومستدامة. وتتضمن هذه العملية وضع مخططات حضرية تحدد مناطق السكن، التجارة، والخدمات، إضافة إلى إنشاء فضاءات خضراء وبنية تحتية متطورة. في الرباط، كان الهدف من هذه السياسات تعزيز موقع المدينة كعاصمة حديثة وجاذبة للاستثمارات، إلا أن التنفيذ شابه العديد من الإشكالات.

عمليات الهدم والترحيل: مبررات السلطات ومواقف المعارضين

مبررات السلطات

تعتبر السلطات المغربية أن عمليات الهدم والترحيل ضرورية لتحقيق عدة أهداف، منها:

  1. القضاء على السكن العشوائي: ترى الجهات الرسمية أن إزالة الأحياء العشوائية يساهم في تحسين جودة الحياة من خلال توفير مساكن أكثر أمانًا.
  2. إعادة تنظيم المجال الحضري: يتم التركيز على جعل الرباط مدينة متطورة تتماشى مع متطلبات العصر من حيث البنية التحتية والتنظيم العمراني.
  3. توفير فضاءات عمومية وخدماتية: يتم استبدال الأحياء العشوائية بمشاريع عمرانية جديدة تتضمن مدارس، مستشفيات، وحدائق عمومية.

مواقف المعارضين

رغم هذه المبررات، تواجه سياسات الهدم والترحيل انتقادات لاذعة من عدة أطراف، خاصة من الحقوقيين والسياسيين، حيث يرون أن:

  1. عدم احترام الحقوق الاجتماعية: عمليات الترحيل غالبًا ما تتم دون استشارة كافية للسكان أو توفير بدائل ملائمة.
  2. إهمال البعد الإنساني: يجد العديد من المرحّلين أنفسهم في أوضاع صعبة بعد فقدانهم لمساكنهم، خاصة إذا لم يتم تعويضهم بالشكل المناسب.
  3. تأثيرات اقتصادية سلبية: تؤدي هذه العمليات إلى تدمير أنشطة اقتصادية محلية، مما يفاقم البطالة ويفاقم الأوضاع الاجتماعية.

آثار الهدم والترحيل على السكان والاقتصاد

التأثير الاجتماعي

  • تؤدي عمليات الترحيل إلى اضطراب في حياة الأفراد والأسر، حيث يجد الكثيرون أنفسهم مضطرين للانتقال إلى مناطق بعيدة عن أماكن عملهم ومدارس أبنائهم.
  • تفقد بعض المجتمعات المحلية تماسكها الاجتماعي نتيجة تفكيك الأحياء التقليدية.
  • زيادة الشعور بالتهميش لدى بعض الفئات، ما يؤدي إلى تنامي الإحساس بعدم الاستقرار الاجتماعي.

التأثير الاقتصادي

  • يؤثر الهدم على الاقتصاد المحلي من خلال تدمير أنشطة اقتصادية قائمة، مثل المحلات التجارية الصغيرة التي تعتمد على الزبائن المحليين.
  • يؤدي الترحيل إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة عندما يتم نقل السكان إلى أماكن ذات تكاليف سكنية مرتفعة.
  • عدم تعويض بعض الفئات بشكل عادل يجعلها تعاني من ضغوط مالية إضافية.

بدائل وحلول مقترحة

تطوير سياسات إسكانية شاملة

بدلًا من الاعتماد على سياسات الهدم والترحيل وحدها، يمكن اعتماد برامج إسكانية مدمجة تهدف إلى تحسين الأحياء القائمة دون تهجير السكان.

إشراك المجتمع المدني في التخطيط الحضري

  • تعزيز التشاور مع السكان قبل اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل أحيائهم.
  • دعم المبادرات المحلية التي تهدف إلى تحسين ظروف العيش داخل الأحياء.

تحسين السياسات التعويضية

  • تقديم تعويضات عادلة ومنصفة للمتضررين.
  • ضمان توفير مساكن جديدة بجودة مناسبة وفي أماكن قريبة من المرافق الضرورية.

تبقى قضية تصميم التهيئة بالرباط والهدم والترحيل محورًا جدليًا يتطلب توازنًا بين التنمية الحضرية وحماية حقوق السكان. فرغم أن تحسين البنية التحتية وتنظيم المجال العمراني أهداف مشروعة، إلا أن تنفيذ هذه السياسات ينبغي أن يراعي الجوانب الاجتماعية والاقتصادية لضمان تنمية مستدامة ومتوازنة. يبقى الحل الأمثل في اعتماد مقاربات أكثر شمولية تتضمن الحوار مع جميع الأطراف، وتنفيذ سياسات عمرانية عادلة تحفظ حقوق المواطنين وتضمن مستقبلًا حضريًا متكاملًا للجميع.

 

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى