أخبار عاجلة

لجان المقاومة بفلسطين تشيد بالتظاهرات الشعبية المصرية فى رفح والعريش

كتبت / دينا زكريا

شهدت الأيام الماضية حراكًا شعبيًا لافتًا في مدينتي رفح والعريش بمحافظة شمال سيناء في جمهورية مصر العربية، حيث خرجت حشود من المواطنين المصريين في تظاهرات عفوية عبّرت عن دعمهم للقضية الفلسطينية ورفضهم للانتهاكات الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، لا سيما في قطاع غزة. هذا الحراك الشعبي لم يكن مجرد موجة غضب عابرة، بل جاء معبرًا عن عمق التلاحم الشعبي بين الشعوب العربية، وخاصة بين الشعبين الفلسطيني والمصري، ورفضهما المشترك لكل أشكال الظلم والعدوان.

وفي هذا السياق، أصدرت لجان المقاومة الفلسطينية بيانًا رسميًا أشادت فيه بهذه التظاهرات، واعتبرتها تجسيدًا لروح العروبة الحقيقية، ودليلًا على أن القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة في وجدان الشعوب رغم كل محاولات التجاهل والتطبيع التي تتسارع وتيرتها في بعض الأوساط السياسية العربية. هذا الموقف أثار اهتمام المراقبين والمحللين، الذين رأوا في هذه الإشادة رسالة سياسية عميقة تتعدى حدود التعاطف، لتشكل تعبيرًا عن رؤية استراتيجية للمرحلة المقبلة في المنطقة.

في هذا المقال، سنسعى إلى تفكيك أبعاد هذا الموقف، من خلال استعراض دور لجان المقاومة في فلسطين، وتحليل خلفيات التظاهرات الشعبية في شمال سيناء، وبيان أوجه التلاقي بين الحراك الشعبي والموقف المقاوم، مع تسليط الضوء على الأبعاد السياسية والاجتماعية لهذا التلاقي، وأثره المحتمل على مجريات الأحداث في المنطقة.


أولًا: لجان المقاومة في فلسطين – الخلفية والدور

تُعد لجان المقاومة إحدى الفصائل الفلسطينية التي تشكلت في مطلع الألفية الثالثة كرد فعل شعبي وميداني على حالة التراجع التي شهدتها المقاومة المسلحة، والتنسيق الأمني بين بعض الجهات الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي. اتخذت هذه اللجان منذ نشأتها منهجية المقاومة بكل أشكالها، وركزت على العمل العسكري كأداة رئيسية للدفاع عن الشعب الفلسطيني واسترداد حقوقه المغتصبة.

تميّزت لجان المقاومة بخطابها السياسي الواضح، الذي يرفض التسويات الهزيلة والرهان على المفاوضات العبثية. وقد نفذت العديد من العمليات النوعية التي أرادت من خلالها إيصال رسالة مفادها أن المقاومة لا تزال حية، وأن الشعب الفلسطيني يملك من أدوات النضال ما يجعله رقمًا صعبًا في معادلة الصراع.

ومن خلال هذا المنطلق، حافظت لجان المقاومة على حضورها الشعبي، لا سيما في المناطق التي شهدت مواجهات مستمرة مع الاحتلال، مثل جنوب قطاع غزة. كما عملت على تعزيز خطابها الإعلامي والسياسي بما يخدم فكرة التلاحم الشعبي العربي، وتأكيد وحدة المصير بين الشعوب المظلومة.


ثانيًا: التظاهرات الشعبية في رفح والعريش – الخلفية والسياق

رفح والعريش ليستا مجرد مدينتين حدوديتين في شمال سيناء، بل هما منطقتان محاطتان بتعقيدات تاريخية وجغرافية وسياسية، نظرًا لقربهما من قطاع غزة، ولارتباطهما الطويل بالأحداث الكبرى في فلسطين. منذ نكبة 1948، وسيناء تشكل معبرًا ومتنفسًا ومحطة دعم للشعب الفلسطيني، رغم كل ما واجهته من محاولات عزل وتضييق.

وفي السنوات الأخيرة، وخاصة بعد 2011، عانت سيناء من سياسات أمنية مشددة، جعلت من التعبير الشعبي مهمة محفوفة بالتحديات. ومع ذلك، فإن خروج المتظاهرين في رفح والعريش بهذا الشكل اللافت، لم يكن مجرد موقف عاطفي، بل كان تعبيرًا واعيًا عن رفض أبناء سيناء لكل ما يحدث من حصار وقتل وتجويع في قطاع غزة، خاصة في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي وتواطؤ بعض القوى الدولية والإقليمية.

هذا الحراك الشعبي، رغم بساطته الظاهرة، حمل في طياته دلالات عميقة على المستوى الشعبي والسياسي. فالتظاهر في منطقة شديدة الحساسية مثل سيناء هو رسالة قوية تُوجه ليس فقط للاحتلال، بل أيضًا إلى النظم السياسية العربية التي تحاول تجاهل المأساة الفلسطينية أو تبرير القمع والخذلان بحجج واهية.


ثالثًا: أبعاد إشادة لجان المقاومة – قراءة سياسية

إشادة لجان المقاومة الفلسطينية بالتظاهرات الشعبية المصرية ليست مجرد مجاملة خطابية، بل تحمل في مضمونها أبعادًا سياسية واستراتيجية واضحة. فمن خلال هذا الموقف، تؤكد اللجان على عدة رسائل:

1. التمسك بالمظلومية المشتركة بين الشعوب:

تشير اللجان من خلال إشادتها إلى أن الفلسطينيين لا يرون أنفسهم منعزلين في معركتهم، بل يعتبرون أنفسهم جزءًا من نسيج شعبي عربي موحد يعاني من ذات المعاناة، ويواجه ذات العدو بأوجهه المختلفة – سواء كان احتلالًا مباشرًا، أو نظامًا قمعيًا، أو منظومة تطبيع سياسي.

2. دعم الحراك الشعبي بوصفه رافعة للمقاومة:

إن التأكيد على التظاهرات الشعبية كأداة تعبير فعّالة يُظهر رغبة لجان المقاومة في توسيع نطاق المواجهة مع العدو لتشمل الشعوب العربية، لا من خلال العنف أو السلاح، بل عبر أدوات الضغط الشعبي التي يمكن أن تحدث فرقًا على المدى البعيد، خاصة إذا ما اتسعت رقعتها لتشمل عواصم ومدنًا عربية أخرى.

3. إعادة تفعيل البعد العربي للقضية الفلسطينية:

في ظل محاولات تدويل القضية الفلسطينية وربطها بصفقات مشبوهة ومؤتمرات شكلية، تسعى لجان المقاومة إلى تذكير الجميع بأن فلسطين ليست مجرد قضية حدود، بل قضية أمة. والتظاهرات الشعبية في رفح والعريش، بحمولتها الرمزية، تعيد التأكيد على هذا البعد.


رابعًا: التلاحم الشعبي الفلسطيني-المصري – إرث تاريخي

ليس جديدًا أن تتلاقى الإرادة الشعبية المصرية مع تطلعات الفلسطينيين. فقد شارك المصريون منذ النكبة في دعم القضية الفلسطينية بكل السبل، وكان للجيش المصري دور مركزي في الحرب ضد الاحتلال، كما كانت المواقف الشعبية المصرية دائمًا متقدمة على مواقف بعض الأنظمة.

وشهدت مراحل النضال الفلسطيني تناغمًا واضحًا مع الحراك الشعبي المصري، لا سيما في فترات العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث كانت ميادين القاهرة والإسكندرية والسويس تعج بالشعارات والهتافات المؤيدة للمقاومة. واليوم، ورغم التحديات، يعيد أهالي سيناء إنتاج هذا التلاحم في صورته النقية، البعيدة عن الحسابات السياسية الضيقة.

هذا التلاحم لا يقتصر على الجانب المعنوي، بل يمتد ليشكل ركيزة أساسية في كسر الحصار، خاصة وأن معبر رفح يشكل شريان الحياة الوحيد لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة. وكل حراك شعبي مصري يضغط من أجل فتح المعبر وتسهيل إيصال المساعدات، هو بمثابة دعم مباشر للمقاومة، ولصمود الشعب الفلسطيني.


خامسًا: الحراك الشعبي في رفح والعريش – تحديات وفرص

من الواضح أن الحراك الشعبي في شمال سيناء لا يتم في فراغ. فهناك تحديات كبيرة تواجهه، على رأسها الواقع الأمني الصعب، والمراقبة المستمرة، ومحاولات شيطنة الحراك وتخوينه. كما أن التضييق على الإعلام وعدم السماح بتغطية هذه التظاهرات بشكل كامل، يجعلها أقل ظهورًا مما تستحق.

ورغم ذلك، فإن هذا الحراك يمثل فرصة ثمينة لإعادة الاعتبار لصوت الشارع المصري، وخاصة في المناطق المهمشة مثل سيناء، التي كثيرًا ما جرى اختزالها في الخطاب الإعلامي إلى مجرد “منطقة أمنية”. ما حدث في رفح والعريش هو تذكير بأن أبناء سيناء هم جزء من نسيج الوطن، ولهم موقف، ولهم كلمة.

ومن جهة أخرى، يشكل هذا الحراك فرصة للفصائل الفلسطينية، وخاصة لجان المقاومة، لإعادة قراءة المشهد العربي، وبناء تحالفات شعبية جديدة تقوم على القيم والمبادئ، لا على المصالح العابرة.


سادسًا: مستقبل العلاقة بين لجان المقاومة والشعوب العربية

لا شك أن موقف لجان المقاومة من الحراك الشعبي في مصر يحمل أفقًا استراتيجيًا يتعدى اللحظة الآنية. فبناء علاقة ثقة بين فصائل المقاومة والجماهير العربية هو حجر الزاوية في أي مشروع تحرري حقيقي. وهذا لا يتأتى إلا من خلال خطاب صادق، وسلوك مقاوم منسجم، وتحالفات تقوم على المصلحة المشتركة في التحرر من الظلم والهيمنة.

وفي هذا السياق، يمكن القول إن لجان المقاومة، من خلال إشادتها، تسعى إلى توسيع دائرة الحاضنة الشعبية العربية، وتعزيز ثقة الشعوب في مشروع المقاومة كبديل عن مشاريع الاستسلام والتطبيع. وهي بذلك تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفاعل الشعبي العربي، الذي قد يشكل يومًا ما عاملًا حاسمًا في معادلة الصراع.


ما بعد الإشادة – ما المطلوب؟

إشادة لجان المقاومة بالتظاهرات الشعبية في رفح والعريش ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لمسار طويل من العمل المشترك بين الشعوب المقهورة. المطلوب اليوم هو البناء على هذه اللحظة، وتحويلها إلى حراك مستمر، يتجاوز ردود الأفعال، ليصبح فعلًا واعيًا، منظمًا، له أهداف واضحة.

كما أن المطلوب من القوى الوطنية الفلسطينية أن تلتقط هذه الإشارات الشعبية، وتعيد ترتيب أولوياتها على أساس التحالف مع الشعوب لا مع الأنظمة. فالمستقبل تصنعه الشعوب، والتاريخ لا يرحم من يراهن على الكيانات الزائلة.

وفي النهاية، يبقى الأمل معقودًا على يقظة الشعوب، وعلى وعيها بأن فلسطين ليست مجرد وطن مسلوب، بل هي مرآة لكل القضايا العادلة في العالم. وما التظاهرات في رفح والعريش سوى نبضٌ من ذلك القلب العربي الكبير، الذي لا يزال حيًا، رغم كل محاولات قتله.

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى