سياسة

تطور الشراكة الاستراتيجية في عهد السيسي: التأثيرات الإقليمية والدولية على السياسة الخارجية المصرية

في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شهدت السياسة الخارجية المصرية تحولات كبيرة نحو تطوير شراكات استراتيجية متعددة على الصعيدين الإقليمي والدولي. تميزت هذه المرحلة بتوجّه مصر نحو تعزيز العلاقات مع القوى الكبرى والدول الفاعلة في المشهد الدولي والإقليمي، مع التركيز على تحقيق المصالح الوطنية وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي. في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، أصبحت السياسة الخارجية المصرية في عهد السيسي قادرة على التأقلم مع الأزمات، حيث ركزت على تعزيز التعاون مع القوى الكبرى والمحاور الدولية المختلفة، بما يعكس رغبة مصر في استعادة دورها الريادي واستعادة مكانتها على المستوى الإقليمي والدولي.

تطور السياسة الخارجية المصرية

قبل استعراض الشراكات الاستراتيجية في عهد السيسي، من الضروري توضيح طبيعة السياسة الخارجية المصرية التي شهدت تحولات جوهرية. منذ استلامه السلطة في 2014، حرص الرئيس السيسي على إعادة صياغة السياسة الخارجية المصرية، لتصبح أكثر فعالية ومرونة في مواجهة التحديات المتزايدة. تزامن ذلك مع الأزمات التي شهدتها المنطقة، مثل الاضطرابات في ليبيا، الصراع في سوريا، الأزمات مع تركيا، والانقسامات الفلسطينية، وتفاقم الأزمات الأمنية في العراق والسودان، ما دفع مصر إلى التحرك بشكل استراتيجي.

سياسة السيسي الخارجية تميزت بوجود فلسفة واضحة تستند إلى الحفاظ على مصالح مصر الأمنية والسياسية والاقتصادية، مع السعي إلى تعزيز الأدوار المؤثرة لمصر في الملفات الإقليمية والدولية. من خلال تحقيق توازن في العلاقات مع القوى الدولية، نجحت مصر في استعادة دورها كقوة مركزية في الشرق الأوسط وأفريقيا.


1. تطور العلاقة المصرية – الخليجية

العلاقات مع دول الخليج: تطور وأهمية استراتيجية
تعتبر العلاقات المصرية مع دول الخليج، خصوصًا السعودية والإمارات، أحد المحاور الرئيسية في السياسة الخارجية المصرية في عهد السيسي. تاريخيًا، كانت العلاقات المصرية الخليجية متشابكة ومرتبطة بالعديد من التحالفات، لكن الأزمة الكبرى التي عصفت بها في أعقاب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 أدت إلى تباعد العلاقات مع عدد من الدول الخليجية.

في عهد السيسي، اتخذت العلاقات المصرية الخليجية منحى جديدًا، حيث ظهرت دول الخليج كحلفاء استراتيجيين لمصر في العديد من الملفات الحساسة، أبرزها:

  • أزمة دعم مصر في مواجهة الإرهاب: لعبت دول الخليج دورًا بارزًا في دعم مصر ماليًا وسياسيًا، خصوصًا في ملف مكافحة الإرهاب الذي شهد تصاعدًا كبيرًا في السنوات الأخيرة.
  • أزمة سد النهضة: قدمت دول الخليج دعمًا سياسيًا واقتصاديًا لمصر في مواجهتها لأزمة سد النهضة الإثيوبي، حيث رأت الدول الخليجية ضرورة دعم استقرار مصر والأمن المائي لها.
  • التعاون العسكري والأمني: شهدت العلاقات الخليجية المصرية تقاربًا في المجال العسكري، من خلال التدريبات المشتركة، الدعم اللوجستي، والتعاون الأمني في ملفات مكافحة الإرهاب وحفظ الاستقرار الإقليمي.

الاستثمار الاقتصادي: كما شكل الدعم الاقتصادي، سواء في شكل استثمارات مباشرة أو مساعدات، محورًا مهمًا في تعزيز هذه الشراكة. وكان من أبرز الأمثلة على ذلك، الاتفاق الاستثماري الكبير بين مصر والإمارات في “مشروع رأس الحكمة” الذي يعد أكبر صفقة استثمارية في تاريخ مصر.


2. مصر وروسيا: شراكة استراتيجية متنوعة

التقارب الروسي المصري في عهد السيسي
عززت مصر في عهد السيسي من شراكتها مع روسيا، التي أصبحت إحدى الركائز المهمة في السياسة الخارجية المصرية. جاءت هذه الشراكة نتيجة عدد من العوامل التي دفعت نحو التقارب بين البلدين:

  • الملف العسكري: لعب التعاون العسكري دورًا محوريًا في تعزيز العلاقات بين القاهرة وموسكو. شهدت مصر توقيع العديد من الصفقات العسكرية مع روسيا، منها صفقة شراء مقاتلات “ميج 29” ومنظومات الدفاع الجوي المتطورة مثل “S-300”. وتعد هذه الصفقات العسكرية جزءًا من مساعي مصر لتعزيز قدراتها الدفاعية لمواجهة التحديات الإقليمية.
  • الملف الاقتصادي: وقع الطرفان على مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية في مجالات مختلفة مثل الطاقة، النقل، والصناعة. واحدة من أبرز هذه الاتفاقيات كانت بناء أول محطة نووية في مصر في منطقة الضبعة، والتي تمثل خطوة نحو تنويع مصادر الطاقة في مصر.
  • الملف السياسي: تماشت السياسة الروسية مع توجهات مصر فيما يتعلق بالعديد من القضايا الإقليمية، مثل الصراع في سوريا وليبيا، حيث وقفت روسيا داعمة للمواقف المصرية في مواجهة التدخلات الخارجية.
  • زيادة السياحة الروسية: مثلت عودة السياحة الروسية إلى مصر بعد توقفها عقب حادثة الطائرة الروسية في سيناء عام 2015، علامة فارقة في تعزيز العلاقات الثنائية، حيث ساهمت بشكل كبير في انتعاش القطاع السياحي المصري.

الاستثمارات الروسية: برزت روسيا كواحدة من أكبر الشركاء في المشروعات التنموية في مصر، من بينها التعاون في قطاعات النفط والغاز والطاقة المتجددة.


3. مصر والصين: شراكة استراتيجية تحت مظلة “الحزام والطريق”

المبادرة الصينية “الحزام والطريق”
أحد أبرز معالم السياسة الخارجية المصرية في عهد السيسي هو تقوية الشراكة مع الصين، حيث شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصًا تحت مظلة “مبادرة الحزام والطريق”.

  • مشروع قناة السويس: الصين تُعد واحدة من أكبر الشركاء في مشروع توسعة قناة السويس، والذي يُعد أحد أهم المشروعات التنموية المصرية. وقد وقعت مصر والصين العديد من الاتفاقيات الخاصة بالتعاون الاقتصادي والبنية التحتية، مما عزز التعاون في عدة مجالات.
  • الاستثمارات والبنية التحتية: تم توقيع العديد من الاتفاقيات مع الشركات الصينية في مجالات البنية التحتية والطاقة. من أبرز الأمثلة على ذلك شراكة الصين في بناء مدن جديدة في مصر، مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
  • التعاون في القطاعات الصناعية: تمثل الصين شريكًا رئيسيًا في تطوير الصناعات المصرية، من خلال استثماراتها في عدة قطاعات استراتيجية مثل صناعة الإلكترونيات والسيارات.
  • الدعم السياسي: في القضايا الإقليمية والدولية، وقفت الصين داعمة للمواقف المصرية في الملفات المتعلقة بأزمة سد النهضة.

4. التوسع الإفريقي والاتجاه نحو القارة السمراء

الاهتمام المصري المتزايد بالقارة الإفريقية
عززت مصر في عهد السيسي من حضورها في القارة السمراء، حيث أصبحت السياسة المصرية تجاه إفريقيا أكثر تفاعلًا وفعالية، في ضوء إدراك القاهرة لأهمية تعزيز النفوذ المصري في منطقة تعاني من التحديات الاقتصادية والأمنية.

  • الزيارات الرسمية والتعاون الاقتصادي: شهد العام 2024 قيام الرئيس السيسي بعدد من الزيارات المهمة إلى دول إفريقية مثل إثيوبيا والسودان وجيبوتي. هذه الزيارات استهدفت تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بين مصر ودول القارة.
  • أزمة سد النهضة: لعبت الدبلوماسية المصرية دورًا بارزًا في الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الحوض، وتم تشكيل تحالفات إقليمية ودولية لدعم موقف مصر في مفاوضات سد النهضة.
  • الدور التنموي: قدمت مصر مساعدات تنموية للدول الإفريقية في مجالات الصحة، التعليم، والبنية التحتية. كذلك، أطلقت مصر عددًا من المبادرات لدعم التنمية الاقتصادية في القارة، بما في ذلك مشروعات لتوفير الطاقة وتحسين البنية التحتية.
  • التعاون العسكري: عززت مصر تعاونها مع الدول الإفريقية في المجالات العسكرية، وهو ما ظهر جليًا في التدريبات العسكرية المشتركة والمشاركة في مهام حفظ السلام.

5. مصر وأوروبا: تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي

التحولات في العلاقة المصرية الأوروبية
في عهد السيسي، شهدت العلاقات المصرية الأوروبية تطورات ملحوظة على مختلف الأصعدة، خصوصًا في ظل التحولات السياسية التي طرأت على القارة الأوروبية والعالم أجمع.

  • الملف الاقتصادي: تركز التعاون المصري الأوروبي على التنمية الاقتصادية، حيث أصبحت مصر شريكًا رئيسيًا للاتحاد الأوروبي في عدد من المجالات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية.
  • الاتفاقيات التجارية: وقعت مصر عددًا من الاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، بما في ذلك اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد.
  • الملف الأمني: تعاونت مصر مع الاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، حيث أصبحت مصر شريكًا محوريًا في مساعي تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
  • مواجهة الأزمات الإقليمية: وقفت مصر كجسر بين أوروبا والشرق الأوسط في عدد من الملفات الإقليمية مثل الصراع في ليبيا وسوريا، مما جعل الاتحاد الأوروبي يعتبر مصر لاعبًا رئيسيًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي.

6. تحديات ما بعد عام 2024 وتأثيرها على الشراكات الاستراتيجية

الضغط الاقتصادي والسياسي
تواجه مصر تحديات متعددة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، أبرزها الضغوط الناتجة عن استمرار برامج الإصلاح الاقتصادي التي أطلقها صندوق النقد الدولي، والتي ترتب عليها رفع الدعم وزيادة أسعار الوقود، مما أثر على معيشة المواطنين المصريين.

  • تزايد الضغوط الاقتصادية: من المتوقع أن تستمر الضغوط الاقتصادية في عام 2025، حيث سترفع الحكومة المزيد من الدعم تدريجيًا عن الوقود، ما قد يؤدي إلى زيادة الضغوط المعيشية.
  • تحديات الأمن القومي: لا تزال التحديات الأمنية قائمة في المنطقة، مثل الأزمات في ليبيا وسوريا، والصراع المستمر في السودان، وهي ملفات ستظل تحتل الأولوية بالنسبة لمصر.
  • توقعات حول الشراكات المستقبلية: من المرجح أن تستمر مصر في تعزيز شراكاتها مع القوى الكبرى والدول الفاعلة، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها البلاد، مع الحرص على التنويع في العلاقات مع دول الخليج وروسيا والصين.

شهدت مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تطورات استراتيجية بارزة في سياستها الخارجية، حيث ركزت على تنويع شراكاتها مع القوى الكبرى والدول الإقليمية والدولية. أصبحت العلاقات المصرية الخليجية، الروسية، الصينية، والأوروبية، عناصر أساسية في تحقيق استقرار مصر ودورها الإقليمي. مع استمرار التحديات الاقتصادية والسياسية، تبقى مصر في حاجة إلى تعزيز تلك الشراكات لمواجهة الأزمات الإقليمية والداخلية، مما يؤكد على الأهمية الاستراتيجية لهذه العلاقات في دعم استقرار مصر وسياساتها الخارجية في السنوات المقبلة.

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.
زر الذهاب إلى الأعلى