
دينا زكريا
في خطوة لافتة نحو تطوير قطاع السياحة البيئية في مصر، أعلنت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، عن الانتهاء من إعداد مخطط شامل لتطوير منطقة “البلو هول” الشهيرة بجنوب سيناء، والتي تُعد من أبرز مواقع الغوص في البحر الأحمر، مشيرة إلى أنه تم بالفعل تسليم المخطط إلى محافظ جنوب سيناء تمهيدًا لطرحه أمام القطاع الخاص، ضمن خطة الدولة لتشجيع الاستثمار البيئي وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق الطبيعية.
جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، التي انعقدت اليوم الإثنين، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، وخصصت لمناقشة عدد من طلبات المناقشة العامة المتعلقة بملف البيئة، إلى جانب دراسة قدمتها النائبة نهى أحمد زكي، وكيل لجنة الطاقة والبيئة، بشأن الأثر التشريعي للقانون رقم 102 لسنة 1983 الخاص بالمحميات الطبيعية.
توازن بين الحماية والتنمية
وفي معرض ردها على تساؤلات النواب حول سبل حماية الشعاب المرجانية المهددة بالتدهور، أوضحت الوزيرة أن هناك مناطق ذات كثافة مرجانية لا يمكن تغطيتها تجنبًا لحجب أشعة الشمس الضرورية لنموها واستمراريتها، إلا أن الوزارة اتخذت خطوات مدروسة عبر تحديد مسارات خاصة لزوار تلك المناطق، بهدف تقليل الضغط البشري عليها، وتحقيق توازن دقيق بين أهداف الحماية البيئية ومتطلبات التنمية السياحية.
الترويج للسياحة البيئية وتحويل المحميات إلى وجهات جاذبة
أشارت الدكتورة فؤاد إلى أن الوزارة قطعت شوطًا كبيرًا في دعم وترويج السياحة البيئية، وهو ما تجلى في تحويل 13 محمية طبيعية إلى مقاصد سياحية جاذبة، تم إعداد كتالوج تفصيلي لها يتضمن المعلومات الجغرافية والبيئية والخدمات المتوفرة، بما يتماشى مع خطط الترويج البيئي والاستثمار المستدام في مصر.
وأكدت الوزيرة أن هذه الجهود تهدف إلى خلق روافد اقتصادية جديدة تقوم على احترام الطبيعة، وتُعزز من قيمة المحميات كموارد وطنية قابلة للاستثمار الرشيد، وليست فقط أماكن معزولة أو محمية من التنمية.
إصلاح هيكلي داخل وزارة البيئة
وفي سياق متصل، أعلنت الوزيرة عن اتخاذ الوزارة خطوات إصلاحية على مستوى هيكلها التنظيمي، حيث تم فصل جهة الإدارة عن جهة الرقابة داخل الوزارة، بما يعزز من الشفافية ويمنع تعارض المصالح، إلى جانب إنشاء قطاع مستقل لحماية الطبيعة من المنتظر اعتماده قريبًا. الهدف من ذلك، بحسب الوزيرة، هو ضمان مراقبة النشاط الاستثماري داخل المحميات وعدم السماح بأي تجاوزات تمس طبيعتها أو تخل بتوازنها البيئي.
نقاش حول إنشاء هيئة اقتصادية لإدارة المحميات
وفي ردها على بعض المطالب البرلمانية الداعية إلى إنشاء هيئة اقتصادية مستقلة لإدارة المحميات، رأت وزيرة البيئة أن هذا المقترح يحتاج إلى دراسة متأنية، تأخذ في الاعتبار تبعية تلك الهيئة، وما إذا كانت ستتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة أو جهاز شؤون البيئة، مؤكدة أن الأهم هو تحقيق أعلى استفادة تنموية ممكنة دون الإخلال بالقيم البيئية التي أنشئت المحميات من أجلها.
خطة استثمارية محكمة
وكشفت الوزيرة عن وجود خطة استثمارية واضحة المعالم في المحميات، تقوم على أربعة محاور رئيسية:
-
تحديد المناطق المسموح بممارسة الأنشطة بها، وفقًا لحساسية النظام البيئي.
-
إعداد خطة إدارة لكل نشاط مقترح، تراعي الخصائص البيئية لكل محمية.
-
تقديم المستثمر لمقترح المشروع وفقًا لضوابط الوزارة.
-
إجراء دراسة تقييم الأثر البيئي للمشروع، قبل الشروع في تنفيذه.
وشددت على أن هذه الخطة لن تنجح دون وجود مناخ داعم للاستثمار وضوابط واضحة ومعلنة، تُطمئن المستثمرين وتحمي الطبيعة في آن واحد.
البنية التحتية شرط لجذب الاستثمار
واعتبرت الوزيرة أن تطوير البنية التحتية داخل المحميات يمثل ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات البيئية، مشيرة إلى اعتماد دليل للنُزُل البيئي بالتعاون مع وزارة السياحة. وقد استغرق هذا العمل ثلاث سنوات من البحث والتطوير، للوصول إلى تصنيف يراعي طبيعة هذه النُزُل، التي لا يجوز مقارنتها بالنُزُل التقليدية من حيث التكلفة أو معايير الخدمة.
وتساءلت فؤاد: “كيف يمكن تصنيف النُزُل البيئي على أنه نُزُل من نجمة واحدة، في حين أن تكلفته أعلى من النُزُل العادية؟”، موضحة أن التصنيف الجديد يأتي استجابة لهذه المفارقة ويُسهم في رفع جاذبية المنتج السياحي البيئي.
رقابة صناعية صارمة للحد من التلوث
وفي إطار جهود الوزارة لمراقبة التلوث الصناعي، أعلنت الوزيرة عن ربط المصانع بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات، وهي شبكة تتيح التدخل الفوري عند رصد أي تجاوز في معدلات الانبعاثات الضارة. كما تم تفعيل آليات الرقابة الذاتية داخل المصانع، وتوسيع نطاق المراقبة ليشمل المخارج المائية التي تصب في البحيرات والأنهار.
هذا التوجه الرقابي يعكس رؤية أكثر شمولًا لمنظومة الحماية البيئية، حيث لم تعد الوزارة تكتفي بدور رقابي مباشر، بل باتت تشجع المصانع على تحمل مسؤولياتها البيئية وتطبيق نظم رقابة ذاتية فعالة.
خريطة تفاعلية للتغيرات المناخية
واختتمت الدكتورة ياسمين فؤاد كلمتها بالإشارة إلى مشروع رائد يتم تنفيذه حاليًا بالتعاون مع هيئة المساحة العسكرية، يتضمن إعداد “خريطة تفاعلية للتغيرات المناخية” على مستوى الجمهورية.
وتهدف هذه الخريطة إلى التنبؤ بالأمطار والسيول والتغيرات المناخية المختلفة على مستوى الأودية والمناطق الساحلية والصحراوية، بما يمكّن الحكومة من اتخاذ قرارات دقيقة ومبنية على معطيات علمية في الوقت المناسب.
نحو بيئة مستدامة وسياحة واعية
تأتي هذه الجهود في إطار استراتيجية وطنية أشمل تهدف إلى دمج البعد البيئي في مختلف خطط التنمية، وتحويل المحميات الطبيعية من عبء إداري إلى فرصة استثمارية مستدامة. وهي رؤية تسعى إلى الموازنة بين التنمية وحماية الموارد، وتضع البيئة في صميم السياسات العامة للدولة.
وبينما تضع وزارة البيئة نصب عينيها حماية التنوع البيولوجي، فإنها تؤكد أن الطريق إلى تحقيق ذلك لا يتعارض مع التنمية، بل يتطلب فقط إدارة رشيدة وواعية، يشارك فيها القطاعان العام والخاص ضمن أطر واضحة ومحددة.