
كتبت / دينا زكريا
الحب ليس ضعفًا… لكنه أحيانًا يصبح سجنًا
كثيرًا ما نرى نساءً قويات، ناجحات، صاحبات فكر وشخصية، يقعن في حب رجال لا يستحقونهن. من الخارج، يبدو المشهد غير منطقي. لماذا تستمر هذه المرأة في علاقة تستنزفها؟ لماذا لا ترحل؟ هل فقدت وعيها؟ هل هي ضعيفة؟
الجواب الأعمق والأكثر إنصافًا: هي ليست ضعيفة، لكنها لا ترى بوضوح… لأنها محاطة بـ”الضباب العاطفي”.
هذا الضباب هو ما يحدث عندما تختلط المشاعر بالذكريات، بالأمل، بالتعلّق، بالخوف من الخسارة، فتصبح الرؤية مشوشة، ولا تعود قادرة على التفريق بين الحب الحقيقي والتمسك بالوهم.
في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل هذا الضباب. سنفهم كيف يتكوّن، ولماذا تقع المرأة في حب رجل لا يستحقها، وكيف يمكنها أن تستيقظ، تستعيد ذاتها، وتُشفى.
أولًا: كيف تقع المرأة في حب من لا يستحقها؟
1. الحنين للعاطفة أكثر من الشخص
في كثير من الحالات، لا تقع المرأة في حب الرجل بحد ذاته، بل في حب الشعور الذي تشعر به بقربه. قد يكون هذا الشعور دافئًا في البداية، فيغذي بداخلها فكرة “الاحتواء”، لكنها لا تلاحظ أن هذا الاحتواء تحوّل مع الوقت إلى قيد.
2. الجرح القديم الذي يبحث عن ضماد
أحيانًا، تحمل المرأة جروحًا قديمة من الطفولة، أو من علاقات سابقة. هذه الجروح تجعلها أكثر عرضة للتمسّك بأي علاقة تمنحها شعورًا بالأمان – حتى وإن كان أمانًا زائفًا. فالرجل المسيء قد يكرر مشهدًا مألوفًا لها، وكأنها تحاول شفاء نفسها من خلاله دون وعي.
3. قوة البداية تُغشي نهاية الحقيقة
البدايات تكون ساحرة. وخصوصًا مع الرجل المتلاعب، فإنه غالبًا ما يعرف كيف يظهر في البداية بصورة الفارس المنقذ. وبهذا، تبني المرأة عليه آمالًا، وترى فيه شيئًا ليس موجودًا. وعندما تبدأ الحقيقة بالظهور، تكون قد تعلّقت.
ثانيًا: الضباب العاطفي… سلاح خفي يغطي الحقيقة
1. ما هو الضباب العاطفي؟
هو الحالة النفسية التي تعيشها المرأة عندما تندمج مشاعر الحب مع الألم، والتعلّق مع الأذى، والأمل مع الخذلان. في هذه الحالة، لا تعود قادرة على تمييز ما إذا كان ما تشعر به حبًا حقيقيًا، أم مجرد خوف من الوحدة، أو تمسّك بما بدأ وانتهى.
2. أعراض الضباب العاطفي
-
تبرير تصرفات الرجل المسيئة.
-
لوم النفس باستمرار عند كل مشكلة.
-
التعلق بالأمل رغم تكرار الخذلان.
-
الشعور بالذنب عند التفكير بالرحيل.
-
تجاهل التحذيرات من الآخرين.
-
الإنكار… “لكنه كان طيبًا في البداية”.
3. لماذا يصعب الخروج منه؟
الدماغ في حالة التعلق يُفرز هرمونات مثل الدوبامين والأوكسيتوسين، وهذه تعزز الشعور الزائف بالراحة عندما تكون معه، حتى لو كان يؤذيك. فيصير الألم متشابكًا مع الحب، ولا تعودين تفرّقين بين ما هو صحي وما هو سُمّي.
ثالثًا: حين يستغل الرجل هذا الضباب
1. لغة الذنب والمناورة
الرجل الذي لا يستحقك يعرف تمامًا أنكِ عاطفية، مخلصة، ولا تحبين الأذى. فيستخدم ذلك ضدك. يلومك على كل شيء، يجعل الخطأ دائمًا منك، ويطلب منك دائمًا أن “تتفهميه”.
2. التلاعب العاطفي
“أنا أتغير من أجلك”، “أنتِ لا تقدّرينني”، “من غيرك ما أساوي شيء”… كلمات تبدو بريئة، لكنها في الحقيقة حبائل تُبقيكِ أسيرة في علاقة لا تستحقكِ.
3. دورة الإساءة والاعتذار
يؤذيكِ، ثم يعتذر. يبكي. يوعد. يعطيكِ لحظة حنان. ثم يُعيد الكرة. ومع الوقت، تتعلّقين بالحظة الحنان تلك، وتنتظرينها، رغم أن الألم صار القاعدة.
رابعًا: متى تبدأ المرأة في استعادة ذاتها؟
1. عندما تتعب روحها قبل جسدها
يأتي وقت تتعب فيه المرأة داخليًا. تشعر أنها تنطفئ. لا تضحك كما كانت. لا تنام بسلام. تبكي كثيرًا. تكتب ولا تُرسل. تتظاهر بالقوة، لكنها تذوب في صمتها. هذا هو الإنذار الأول.
2. عندما تدرك أنها تحب أكثر مما تُحب
تبدأ تسأل نفسها: لماذا أعطيه كل هذا الحب؟ ماذا يعطيني بالمقابل؟ لماذا أسامحه كل مرة؟ لماذا لا يهتم بي حين أتألم؟ وهنا يبدأ العقل في استعادة سلطته على القلب.
3. عندما ترى امرأة أخرى مرت بتجربتها
أحيانًا، لا يكفي أن تقرأ، بل تحتاج أن ترى. ترى امرأة مثلها، مرّت بنفس الوجع وخرجت أقوى. عندها تبدأ تسأل: “هل يمكنني أنا أيضًا؟”
خامسًا: خطوات استعادة الذات
1. الاعتراف أول خطوة في الشفاء
أن تعترفي أنكِ في علاقة غير صحية ليس ضعفًا، بل بداية الشفاء. الاعتراف هو ما يزيل أولى طبقات الضباب.
2. لا تحكمي على نفسك، بل افهميها
أنتِ لستِ غبية. لستِ ضعيفة. لستِ ساذجة. أنتِ إنسانة أحبّت بصدق، وتعلّقت بأمل. هذا لا يقلل من قيمتكِ… بل يعكس قلبًا نقيًا.
3. أحيطي نفسكِ بمن يحبكِ لنفسكِ
الصديقات، الأهل، المعالج النفسي… كلهم يمكن أن يكونوا مرآتك حين تعجزين عن رؤية نفسكِ. لا تخجلي من طلب المساعدة.
4. كوني صادقة مع نفسكِ: ماذا أريد فعلًا؟
هل أريد علاقة؟ أم أريد حبًا؟ هل أريد أمانًا؟ أم أنني أخاف من الوحدة؟ هذا الحوار الصادق مع الذات يزيل آخر طبقات الضباب.
سادسًا: علامات العلاقة السامة التي لا تليق بكِ
-
يقلل من شأنكِ أمام الآخرين.
-
يستهزئ بمشاعركِ أو يقلل من ألمكِ.
-
لا يتحمّل مسؤولية أخطائه.
-
لا يعتذر إلا ليعود يؤذيكِ.
-
يتحكم في علاقاتكِ، لبسكِ، اختياراتكِ.
-
يجعلكِ تشعرين بالذنب دائمًا.
-
يتجاهلكِ حين تحتاجينه.
-
لا يبذل مجهودًا حقيقيًا لراحتكِ.
تذكري دائمًا: الحب لا يؤلم. العلاقة الصحية تشعركِ بالطمأنينة، وليس بالقلق. الحب يُبنى على الاحترام، وليس على الدموع.
سابعًا: كيف تساعد امرأة تمر بهذه الحالة؟
1. لا تحكم عليها، بل كن كتفًا لها
اللوم لا يفيد. عبارة مثل “أنتِ اللي جبتي لنفسكِ” تقتلها. كن داعمًا، مستمعًا، محبًا.
2. ساعدها ترى نفسها، لا فقط ترى الرجل
ذكرها بقيمتها. بجمالها الداخلي. بنجاحها. بأحلامها. اجعلها تتذكر من كانت قبل أن تغرق في العلاقة.
3. لا تتخلى عنها حتى إن عادت إليه
المرأة في الضباب قد تعود لعشر مرات قبل أن ترحل للأبد. لا تتخلَّ عنها. كن هناك، بصمت أو بكلمة. ستشكرك يومًا، حين تُشفى.
الحب لا يُقاس بالدموع، بل بالكرامة والوضوح
قد تقع المرأة في حب رجل لا يستحقها… لكنها لا تظل كذلك إلى الأبد. تأتي لحظة ترى فيها الحقيقة، وتختار نفسها.
حين تفهم أن الحب لا يعني أن تموت داخليًا لتُرضي الآخر، بل أن تنمو معه.
حين تعرف أن أقسى الفقد، هو فقدان الذات… وأجمل حب، هو حب الذات.
وحين تقرر أن تخرج من الضباب، لا يعود الطريق ضبابيًا بعدها أبدًا.