المرأه

حين تختار المرأة السلام على الحب: الرحيل الصامت الذي لا رجعة فيه

دينا زكريا

في كثير من العلاقات، يُفاجأ الرجل برحيل المرأة، لا صاخبًا ولا مفعمًا بالاتهامات، بل هادئًا يشبه نسمة المساء التي تهب فجأة ثم تختفي. يظن أنها تراجعت، انسحبت لحظة، أنها ستعود بعد أن تهدأ العاصفة. لكن الحقيقة الأعمق والأكثر إيلامًا هي أنها لم تهرب… بل اختارت السلام بدلًا من الحب.

هذا النوع من الرحيل لا يعني انتهاء المشاعر، بل يعني أنها اختارت ذاتها أخيرًا، بعد رحلة من الاستنزاف والصبر والتجاهل والتضحية. إنها لم تعد المرأة التي تقاتل من أجل علاقتها، بل صارت المرأة التي تقاتل من أجل سلامها الداخلي.


الفصل الأول: أوهام الرجوع… وفشل الإدراك الذكوري

غالبًا ما يخطئ الرجل في قراءة صمت المرأة. يتوهم أن غياب صوتها يعني أنها غاضبة فحسب، تحتاج إلى وقت، وربما تعود بعد أن تهدأ. لكنه لا يدرك أن الصمت لدى المرأة ليس دومًا مؤقتًا… أحيانًا يكون نهاية كاملة، ولكن بأدب.

في العرف العاطفي لدى كثير من الرجال، الغضب علامة على التعلق، والدموع دليل حب، والمواجهة تعني رغبة في الاستمرار. لكن ما لا يفهمه الكثيرون هو أن أخطر نقطة تصل إليها المرأة في علاقتها، هي النقطة التي لم تعد فيها راغبة في الشرح، ولا الشكوى، ولا حتى البقاء.

حين تصل إلى هذا المستوى من الهدوء، لا يعني ذلك أنها لا تشعر، بل يعني أنها شعرت أكثر من اللازم، إلى درجة أنها احترقت داخليًا، وصارت بحاجة لإعادة بناء نفسها، لا لاستعادة العلاقة.


الفصل الثاني: من الحب إلى الخذلان… رحلة مؤلمة بصمتٍ أنثوي

المرأة لا ترحل بسهولة. هي لا تستيقظ فجأة لتقرر أن تبتعد. على العكس، كثيرًا ما تبقى حتى تنهار. تبقى وهي تنكسر، تعطي وهي تُنهب، تحب وهي لا تُحتضن، تنتظر بصبرٍ مرهق أن يراها الطرف الآخر حقًّا، أن يشعر بتعبها، أن يرد على دموعها بيد تربت على قلبها المرهق.

لكن حين يأتي الوقت الذي تشعر فيه أن البقاء يعني فقدان نفسها… تبدأ بالانسحاب. لا من الرجل فقط، بل من الحياة التي كانت تظنها بيتها. تبدأ بالتراجع من ساحة المعركة التي خاضتها لأجل حبٍ لم يبادلها القتال، وتلجأ إلى كهفها الداخلي لتُضمد جراحها بصمت، بعيدًا عن فوضى الكلمات، وعن وعود الإصلاح المتأخرة.

هي لا ترحل حين تنفد مشاعرها، بل ترحل حين تفقد احترامها لذاتها وسط تلك المشاعر.


الفصل الثالث: السلام… ذروة النضج العاطفي

ليس سهلًا على الإنسان أن يختار السلام بدلًا من الحب، خصوصًا إن كان قد أحب من أعماقه. لكن المرأة التي وصلت إلى هذه المرحلة ليست امرأة ضعيفة، بل قوية بما يكفي لتفهم أن راحة قلبها ليست قابلة للمساومة.

هي لم تعد تسعى إلى إصلاح الرجل، ولا إلى إثبات ذاتها له، ولا إلى أن يراها “الأنثى المثالية”. لم تعد تُشغف برسائل الاعتذار، ولا تفرح بمبادرات اللحظة الأخيرة. لقد تجاوزت كل ذلك. أصبحت ترى الحب من زاوية أخرى… زاوية السلام، والنقاء، والتوازن.

حين تختار المرأة السلام، فهذا يعني أنها خاضت معارك داخلية قاسية، انتصرت فيها لذاتها. لم يعد وجود الرجل ضروريًا لشفائها، ولا صوته ضروريًا لطمأنينتها. صار صوتها الداخلي كافيًا، ومساحتها الخاصة ملاذًا حقيقيًا.


الفصل الرابع: لا غيرة، لا شكاوى، لا دراما… فقط تعافٍ

ما لا يفهمه بعض الرجال هو أن المرأة بعد قرار السلام لا تعود كما كانت أبدًا. هي لا تغار، لا تبكي، لا تراقب، لا تشتكي. لقد صمتت لأنها تعافت. لم تعد تقاتل لتُبقي العلاقة على قيد الحياة. لم تعد تبحث عن دلائل حبك في تصرفاتك، لأنها ببساطة لم تعد تهتم.

هي الآن في مرحلة “لا حاجة”. لا تحتاج إلى تفسير، لا تنتظر توضيحًا، ولا تهتم إن كنت على صواب أو خطأ. لقد أصبحت مشغولة بإعادة ترتيب عالمها، لا عالمكما. تحاول أن تُعيد ترميم هشاشتها، تبني حواجز من الوضوح تحمي بها قلبها من الفوضى التي كان حبك سببًا فيها.

إنها لا تحاول جعلك تغار أو تنتبه، بل تحاول أن تجعل نفسها بخير. وكل خطوة تخطوها بعيدًا عنك، هي خطوة نحو ذاتها التي أضاعت ملامحها ذات حب.


الفصل الخامس: أخطر امرأة… من لا تنتظر أحدًا

الرجل يخشى المرأة التي تبكي، والتي تعاتب، والتي تواجه… لكنه لا يدرك أن أخطر امرأة هي التي لم تعد بحاجة إلى أحد. المرأة التي لم تعد تطلب، لم تعد تنتظر، لم تعد تناقش أو تبرر. لأنها وصلت إلى نقطة الاكتفاء الذاتي، عاطفيًا ونفسيًا.

هذه المرأة لا تهرب من الحب، بل تهرب من الألم المتكرر باسمه. تهرب من التشكيك بقيمتها، من تلك العلاقة التي كلما اقتربت منها، فقدت جزءًا من نفسها. لقد قررت أن تُعيد تجميع شتاتها… لا تحت ذراع رجل، بل تحت سقف ذاتها.

وأخطر ما في هذه المرأة أنها لم تعد تطلب الخاتمة من أحد. هي من تصنعها. حين قررت الرحيل، لم تكن في حالة ضعف، بل في قمة قوتها. لم تذهب لتجد رجلاً آخر، بل ذهبت لتجد ذاتها التي أهدرتها في انتظار كلمة، أو لفتة، أو لحظة فهمٍ لم تأتِ يومًا.


الفصل السادس: دروس مؤجلة وفوات الأوان

يبدأ الندم لدى الرجل حين يدرك أن المرأة التي كانت تقاتل لأجله، لم تعد تنظر في اتجاهه. يحاول أن يعيد فتح الأبواب القديمة، أن يسترجع الحوار، أن يعيد ترتيب الحكاية. لكنه يكتشف متأخرًا أن الزمن تغيّر، وأن تلك المرأة لم تعد في المكان نفسه، ولا في الوعي ذاته.

يحاول بعض الرجال استعادة المرأة القديمة، لكنهم لا يدرون أن تلك المرأة ماتت، وأن ما تبقى منها أصبح أكثر حكمة، وأكثر تحفظًا، وأشد قسوة في اختيار من يدخل عالمها من جديد.

إنها ليست منتقمة، وليست غاضبة. إنها فقط تعلمت. تعلمت أن الحب وحده لا يكفي. وأن الإهمال جريمة صامتة. وأن التعلق بمن لا يراها لا يُثمر إلا خيبات. لقد غفرت، لكن لا نية لديها للعودة. سامحت، لكن لا رغبة لديها في الاستمرار. مضت بهدوء… ولن تعود.


حين يربح السلام الحرب

المرأة التي تختار السلام على الحب، ليست باردة ولا عديمة الإحساس، بل هي امرأة قررت أخيرًا أن تُنقذ نفسها. أدركت أن الحب الذي يعريها من ذاتها، ليس حبًا. أن العلاقة التي تستنزفها لا تستحقها. أنها تستحق من يمنحها الشعور بالأمان دون أن تطلب، والاحترام دون أن تتوسل، والحب دون أن تُجرّح.

في النهاية، ليس الحب هو ما يجعل العلاقة تستمر، بل السلام الذي يأتي معه. وعندما يُخفق الرجل في منح المرأة هذا السلام، فإنها تختار أن تصنعه وحدها… ولو كان الثمن هو الرحيل.

وربما هذه أعظم لحظة وعي يمكن أن تصل إليها امرأة: أن تفهم أن حبها لذاتها أهم من حبها لأي رجل، وأن روحها ليست أرضًا مستباحة، بل وطن يجب حمايته بكل الطرق، حتى وإن كانت الطريقة الأخيرة هي الرحيل بصمت.

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى