فن

رحيل سليمان عيد.. ضحكة غابت وصوت خافت في سماء الكوميديا المصرية

كتبت / دينا زكريا

OIP 11 R 4

رحل الفنان سليمان عيد في هدوء، كما عاش أغلب سنوات حياته الفنية، لكن صدى غيابه دوّى في قلوب محبيه وزملائه، وفتح بابًا للحديث عن موهبة فذّة، لم تنل من التقدير ما تستحق. كان سليمان واحدًا من هؤلاء الممثلين الذين يلمسون الوجدان من خلال أدوار صغيرة، لكنها مشحونة بالصدق والبساطة والعفوية.

لم يكن سليمان مجرد صانع نكات أو مروّج “إفيهات” عابرة، بل كان حالة فنية فريدة، حُبست طويلًا في قالب “الكوميديان الطيب”، في حين أن موهبته العميقة كانت تصرخ طلبًا للتحرر، تطمح إلى أدوار مركبة، شريرة، تراجيدية، أو حتى درامية ثقيلة تُظهر ما يمتلكه من قدرات تمثيلية حقيقية.

منذ بداياته، التصقت به صورة “البسيط” أو “الساذج” الذي يُضحك الجمهور بسلاسة، لكن خلف هذا القالب النمطي، كان يختبئ حلم أكبر، لم يتحقق كما ينبغي. عام 2006، جاءت إليه فرصة نادرة من خلال مسلسل “درب الطيب”، حيث جسّد شخصية “بوصيري”، التي عبرت عبر مراحل عمرية مختلفة وتحولات نفسية دقيقة. هذا الدور شكّل نقطة تحول مفصلية في مسيرته، وأكد مجددًا أن الممثل الكوميدي حين يُمنح مساحة كافية، يمكنه أن يبهر الجمهور والنقاد على حد سواء.

هذه التجربة ذكّرت البعض باختيار المخرج يحيى العلمي للفنان أحمد بدير لبطولة “الزيني بركات”، حين كسر الصورة النمطية له. كما كرّر المخرج نادر جلال ذات المغامرة مع سليمان في “درب الطيب”، مؤمنًا أن خلف الضحكة البريئة، هناك طاقة فنية قادرة على المراوغة والتحوّل.

وما لا يعرفه كثيرون، أن من أكثر الأدوار التي تمنى سليمان تجسيدها، كان دور “الشرير”، نقيض صورته تمامًا. لكنه عبّر أكثر من مرة عن إحباطه من نظرة المخرجين، الذين كانوا يرون في ملامحه الطيبة ما يمنعه من أداء مثل هذه الأدوار.

ورغم هذه العقبة، جاءت فرصة جديدة لكسر الحواجز مع مسلسل “ساعته وتاريخه”، من إخراج عمرو موسى. هناك، خرج سليمان عن المسار الآمن الذي يسلكه كثير من الممثلين حين يتقدم بهم العمر، وفضّل المغامرة، كعادته، ليؤكد مرة أخرى أن الموهبة الحقيقية لا يحدها الزمن، ولا تقف عند تصنيف.

لكن المأزق لم يكن فنيًا فقط، بل ماديًا أيضًا. تحدّث سليمان بألم عن مشروعين كانا كفيلين بتغيير مسيرته بالكامل: “معسكر حب” و**”حسن حسين أوباما”**، وكلاهما توقف قبل أن يرى النور. وفي موقف صعب مرّ به، رفض أحد المنتجين منحه بطولة فيلم، قائلًا له بصرامة: “مين سليمان عيد ده؟ مش هيشيل فيلم!”

رغم ذلك، لم يستسلم. ظل يعمل ويقبل الأدوار، كبيرها وصغيرها، يؤدي كل مشهد كما لو كان هو البطولة المطلقة. لم يكن ينتظر المجد، بل يسعى لكسب قوت يومه من الفن الذي أحبّه. وقد عبّر عن هذا بصدق مؤلم في أحد لقاءاته قائلاً: “مكنش عندي رفاهية أرفض دور، كنت باكل عيش من الفن، ومكنتش مستني بطولة.”

بعيدًا عن الكاميرات، كان سليمان إنسانًا محبوبًا من زملائه، بمختلف الأجيال. ظهوره مؤخرًا في مقاطع مرحة على “تيك توك” مع الفنان كريم محمود عبد العزيز، عكس احتفاظه بروح شبابية وقلب طيب، لم تلوثه قسوة الوسط الفني.

حتى الراحل علاء ولي الدين رأى فيه نجمًا قادمًا، قبل أن يعرفه الجمهور، وقال عنه في حوار لجريدة الأهرام عام 1999: “سليمان هيبقى ممثل كوميديا خطير في مصر.” وقد صدقت نبوءته حين تألق سليمان في فيلم “الناظر”، الذي ساهم في تعرّف الجمهور عليه وفتح له باب الشهرة.

سليمان عيد رحل، لكنه لم يغادر ذاكرة جمهوره. لم ينل ما يستحق من فرص، لكنّه لم يفقد إيمانه بالفن، ولا أخلص له أقل مما يستحق. ظل وفيًا لطريقه، حتى وإن لم يحمل له هذا الطريق المجد الذي يستحقه.

رحم الله سليمان عيد، الذي ظل صادقًا مع نفسه، وفنّه، وجمهوره، حتى آخر لحظة. فنان من طينة نادرة، لم يقل كلمته الأخيرة، رغم أن الموت كان أسرع.

Dina Z. Isaac

كاتبة محتوى متخصصة في إعداد المقالات الإخبارية والتحليلية لمواقع إلكترونية ومدونات متعددة. أمتلك خبرة تتجاوز أربع سنوات في مجال الكتابة والتدوين، حيث أحرص على تقديم محتوى مميز يجمع بين الإبداع والدقة، مع التركيز على جذب القارئ وتقديم المعلومات بشكل سلس وواضح. المهارات والخبرات: كتابة المقالات الإخبارية: إعداد تقارير وتحليلات شاملة تغطي أحدث الأخبار المحلية والعالمية. التدوين: كتابة مقالات متنوعة تغطي مجالات مثل التكنولوجيا، الصحة، التنمية الشخصية، وريادة الأعمال. تحسين محركات البحث (SEO): صياغة محتوى متوافق مع معايير السيو لتحسين ظهور المقالات في نتائج البحث. إدارة المحتوى: التخطيط للنشر، وإعداد جداول تحريرية، وتنظيم الحملات الرقمية. التدقيق اللغوي: ضمان خلو النصوص من الأخطاء اللغوية والنحوية لتقديم محتوى عالي الجودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى