
دينا زكريا
في زمن العلاقات السريعة والرسائل المختصرة وردود الأفعال الباردة، أصبح البعض يظن أن الصمت إجابة كافية، وأن الاختفاء هو الطريقة الأسهل للانفصال أو الانسحاب من حياة الآخر. لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن السكوت في لحظة انتظار قد يكون أشد قسوة من أي كلمة، وأن الوضوح في الرفض ليس جرحًا بل شفاء مبكر من أمل زائف قد يمتد بلا طائل.
حين تقرر ألا تُكمل علاقة ما، سواء كانت صداقة أو حبًا أو حتى مجرد تعارف عابر، فالأصل في العلاقات الإنسانية أن تحترم الطرف الآخر بالصدق لا بالتجاهل. لا تكن من أولئك الذين يرون الرسائل ولا يردون، أو الذين يختفون فجأة دون تفسير، ظنًا منهم أن الغياب إجابة، وأن الانسحاب الصامت أقل ضررًا.
لكن الواقع مختلف تمامًا.
فالطرف الآخر، الذي يراك تختفي، ربما ما زال متمسكًا بخيط رفيع من الأمل؛ ينتظر كلمة توضح، أو رسالة تشرح، أو حتى جملة وداع تحسم المشهد. الأمل في هذه اللحظة لا يُبنى على الوقائع، بل على الصمت المربك، فيتحوّل الانتظار إلى ساحة نزيف داخلي.
الصراحة لا تعني القسوة
من الخطأ الشائع الاعتقاد بأن الرفض يعني الإيذاء. بالعكس تمامًا، الرفض المحترم هو صورة من صور الرحمة، حين يُقال بلباقة: “أشعر أننا لا نتناسب… أشكرك على وجودك، لكني لا أرى مستقبلًا مشتركًا.”
هي كلمات بسيطة، لكن وقعها – مهما بدا ثقيلًا – يقطع على الطرف الآخر مسافة طويلة من الحيرة والعذاب والاحتمالات المؤلمة. إنه بمثابة غلق لباب لا يصلح أن يُترك مواربًا، لأن من خلفه قد يظل منتظرًا لنسمة تُعيد فتحه.
متى يكون الصمت قسوة؟
الصمت يصبح قسوة عندما يُستخدم للهروب، لا للتهذيب.
عندما يكون وسيلة لعدم المواجهة، لا لحماية المشاعر.
أن تترك شخصًا معلّقًا، لا يعرف إن كنت انسحبت فعلًا أم تنتظر لحظة مناسبة، هو قتل بطيء للكرامة والمشاعر معًا. قد تعتقد أنك تجنبت المواجهة، لكنك في الحقيقة خلّفت جرحًا مفتوحًا، بلا تفسير، ولا عزاء.
ارفض بوضوح.. تكن إنسانًا
أن تكون إنسانًا لا يعني أن تقول “نعم” دائمًا، بل يعني أن تقول “لا” حين تكون مقتنعًا بها، لكن بطريقة تحفظ للآخرين ماء وجوههم، وتترك في القلب أثرًا من الاحترام لا الوجع.
الوضوح في لحظة الوداع ليس ضعفًا ولا قسوة، بل نُبل أخلاقي، يُظهر نضجك، ويمنح من أمامك المساحة للشفاء والبدء من جديد.
الناس لا تحتاج إلى كلمات منمقة في لحظات النهاية، بقدر ما تحتاج إلى صدق يختصر الوقت، ووضوح يريح القلب، ورسالة تقول: “أنا لم أكن لك، لكني احترمتك بما يكفي لأخبرك.”
في النهاية…
اجعل من الصدق عادة، ومن الوضوح منهجًا، حتى حين لا تسير الأمور كما يُرام. لأنك إن رفضت بوضوح، تكون قد منحت الآخر نعمة النهاية الكريمة، بدلًا من لعنات الأسئلة المعلقة.