
دينا زكريا
في مشهد يعيد إلى الأذهان سحر الطفولة وخيالها الواسع، يحتضن قصر ثقافة الأنفوشي بالإسكندرية العرض المسرحي “رحلة إلى مصنع الشيكولاتة”، ضمن سلسلة العروض المجانية لمسرح الطفل، التي تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، في إطار خطة وزارة الثقافة الرامية إلى دعم الإبداع لدى النشء وتنمية وعيهم المجتمعي والثقافي.
العرض الذي ينتمي إلى عالم المسرح التربوي الترفيهي، يستلهم أحداثه من رواية “تشارلي ومصنع الشيكولاتة”، للكاتب الإنجليزي الشهير روالد دال، والتي تُعد من كلاسيكيات أدب الطفل العالمي. وقد تم تقديم النص برؤية مسرحية مصرية معاصرة، أخرجتها الدكتورة شيماء إبراهيم، التي حرصت على المزج بين الخيال المسرحي وقضايا العصر، لتقديم تجربة مسرحية ثرية ومؤثرة.
الرسالة التربوية في ثوب مسرحي ساحر
لم يكن الهدف من العرض مجرد التسلية أو تقديم مادة ترفيهية فحسب، بل حرص صناعه على توظيف النص الأصلي لتوصيل رسائل تربوية هامة تناسب الواقع الحالي، وفي مقدمتها قضية الإفراط في استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها السلبي على سلوكيات الأطفال وحياتهم اليومية.
من خلال شخصية تشارلي وبقية الأطفال الذين يدخلون المصنع الغامض، يتم تمرير رسائل ذكية حول ضرورة الاعتدال، وتنمية القيم الإيجابية مثل الصبر والتواضع واحترام الآخرين. العرض يشكل تجربة فنية متكاملة، تعزز قدرة الطفل على التفاعل مع الفن كوسيلة للفهم والنقد والإبداع.
العرض يُقدم تحت إشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويستمر لمدة أربعة أيام، ضمن إطار شراكة بين الهيئة وإقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي برئاسة محمد حمدي، وفرع ثقافة الإسكندرية تحت إدارة الدكتورة منال يمني. ويعد من إنتاج الإدارة العامة لثقافة الطفل التابعة للإدارة المركزية للدراسات والبحوث.
مسرحيات أخرى تضيء ليالي الثقافة.. من الأقصر إلى الغردقة
الفعاليات الثقافية لم تقتصر على الإسكندرية فقط، بل امتدت لتشمل محافظات أخرى، في نشاط لافت يعكس مدى تنوع الحراك المسرحي في قصور الثقافة على مستوى الجمهورية.
ففي الأقصر، تقدم الفرقة القومية عرضًا مسرحيًا بعنوان “صورة كوكب”، عن نص للكاتب المسرحي السويسري فريدريش دورينمات، ومن إخراج الفنان كرم نبيه. يتناول العرض، بلغة رمزية بليغة، المخاطر التي تهدد كوكب الأرض نتيجة السلوكيات البشرية الطائشة، ويدعو الجمهور للتفكير في حجم المسؤولية الفردية والجماعية في الحفاظ على البيئة.
أما في عرض “الطينة”، الذي تقدمه فرقة الطارف من تأليف كريم الشاوري وإخراج جاسر حسين، فتُطرح تساؤلات وجودية واجتماعية من خلال دراما فلسفية تعكس الصراع الداخلي للإنسان، وتعكس بحثه الدائم عن الانتماء والجذور والهوية.
الختام مع قضايا المرأة والصراع القبلي
مساء الأحد 15 يونيو، يُسدل الستار على فعاليات هذه الدورة المسرحية بثنائية درامية مميزة. العرض الأول “غنوة الليل والسكين”، الذي تقدمه فرقة سفاجا المسرحية، من تأليف متولي حامد وإخراج محمد محمد ربيع، يسلط الضوء على قضايا المرأة في صعيد مصر، ويتناول التحديات الاجتماعية والنفسية التي تواجهها النساء في بيئات يغلب عليها الطابع المحافظ والتقاليد المتوارثة.
بينما يحمل العرض الختامي “المدسوس”، الذي تقدمه فرقة الغردقة المسرحية، توقيع الكاتب يس الضوي وإخراج شاذلي صالح. العرض يأخذ الجمهور إلى عمق الصحراء حيث تتصارع القبائل في مواجهة الاحتلال، في دراما ذات طابع تراثي وشعبي تجسد صراعات البادية وتحولات الهوية الوطنية.
ثقافة الطفل في قلب المشهد
ما يميز هذه الدورة من العروض المسرحية هو التركيز الكبير على ثقافة الطفل، ليس فقط كمادة فنية بل كأولوية في استراتيجية وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة، وهو ما يتجلى في تنوع النصوص، والانفتاح على تجارب أدبية ومسرحية عالمية، مع الحرص على توظيفها لخدمة أهداف تربوية وتعليمية تتناسب مع احتياجات المجتمع المصري.
المسرح، كما يظهر من هذه الفعاليات، يظل أداة قوية في تشكيل الوعي، وتربية الذوق الفني، وإشراك الأطفال والشباب في قضايا مجتمعهم بأسلوب ممتع وفعّال. إنه ليس مجرد خشبة للعرض، بل مساحة للتأمل والتغيير والتعبير عن الأحلام والهموم بلغة الجمال والفن.