
كتب: مصطفى جزار
تُعد ليلة ختام مولد السيدة زينب واحدة من أهم المناسبات الدينية والروحية التي يحتفل بها المصريون سنويًا، حيث تمتزج الأجواء الروحانية بالعادات والتقاليد الشعبية، ما يجعلها من أبرز مظاهر الاحتفاء بأهل البيت في مصر.
السيدة زينب: رمز الطهر والصمود
السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب وحفيدة النبي محمد، تُعرف بلقب “أم العواجز” نظرًا لمكانتها الكبيرة في قلوب المصريين. ارتبط حبها بعقيدة راسخة لدى الناس، مما جعل مسجدها في القاهرة مقصدًا للزوار من جميع أنحاء البلاد، خاصة خلال المولد.
بداية الاحتفالات بالمولد
تبدأ الاحتفالات بمولد السيدة زينب قبل أسبوع كامل من ليلة الختام، حيث يبدأ المريدون والطرق الصوفية في التوافد إلى المسجد وإقامة حلقات الذكر والمديح النبوي. تنتشر السرادقات، وتنصب الخيام حول المسجد لاستقبال الزوار الذين يأتون من مختلف المحافظات.
التكيات: موائد المحبة والكرم
إحدى أهم السمات المميزة لمولد السيدة زينب هي “التكيات”، وهي موائد طعام تقام لإطعام الفقراء والمحتاجين حبًا وتكريمًا لآل البيت. لا يقتصر الأمر على المأكولات الشعبية، بل يشمل أيضًا المشروبات الساخنة مثل السحلب والحلبة باللبن، والتي تُقدم للزوار طوال أيام الاحتفال.
المسجد في أبهى حلته
في ليلة الختام، يكون مسجد السيدة زينب مضاءً بالأنوار والزخارف الإسلامية المميزة، وتصدح أصوات الابتهالات والموشحات الدينية في أرجاء المكان. وتُقام حلقات الذكر داخل المسجد وساحاته الخارجية، حيث يجتمع المريدون حول المشايخ الذين يلقون دروسًا دينية عن سيرة السيدة زينب ومكانتها في الإسلام.
الطرق الصوفية ودورها في الاحتفال
تلعب الطرق الصوفية دورًا كبيرًا في مولد السيدة زينب، حيث تنظم مسيرات الذكر والإنشاد الديني، ويحرص أتباعها على ارتداء الملابس البيضاء والخضراء، في مشهد روحاني مهيب يعكس التلاحم الديني والشعبي.
الأهازيج والإنشاد الديني
الاحتفال لا يقتصر على الطقوس الدينية فقط، بل يتخلله إنشاد ديني وأهازيج تمتد حتى ساعات الفجر. يصدح المنشدون بأشعار في مدح النبي وأهل بيته، وأشهر القصائد التي تُتلى في هذه المناسبة “يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله”.
المظاهر الشعبية والاحتفالية
لا تخلو الساحات المجاورة لمسجد السيدة زينب من الباعة الجائلين الذين يعرضون الألعاب للأطفال، والمأكولات الشعبية مثل الفول والطعمية والبطاطا المشوية. كما يحرص الزوار على شراء الحلوى التقليدية المرتبطة بالمولد.
الدعاء والتضرع في ليلة الختام
مع اقتراب منتصف الليل، تزداد أعداد الزوار المتوافدين إلى المسجد، حيث يرفع الجميع أيديهم بالدعاء طالبين البركة والرحمة. ويعتبر هذا المشهد من أكثر اللحظات روحانيةً وتأثيرًا في النفوس.
أهمية المولد في المجتمع المصري
يعتبر الاحتفال بمولد السيدة زينب جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والدينية للمصريين. فهو ليس مجرد مناسبة دينية، بل يمثل فرصة للتواصل الاجتماعي والتكافل، حيث تتجسد فيه معاني المحبة والتراحم.
ختام الاحتفال والاستعداد للعام القادم
مع بزوغ الفجر، تبدأ الأجواء الاحتفالية بالهدوء تدريجيًا، ويغادر الزوار المسجد، حاملين معهم بركة المكان وأمل العودة في العام القادم. يبقى المولد علامة مضيئة في الوجدان الشعبي، ودليلًا على عمق الارتباط بأهل البيت.
ختام مولد السيدة زينب ليس مجرد حدث عابر، بل هو تقليد ديني واجتماعي يعكس حب المصريين لآل البيت. إنه مناسبة تجمع بين الطقوس الدينية والأجواء الاحتفالية، مما يجعله واحدًا من أهم الموالد التي تشهدها مصر.