
دينا زكريا
يعدّ الالتهاب الرئوي أحد أبرز التهديدات الصامتة لصحة الجهاز التنفسي، إذ يتسلل إلى الرئتين في غفلة من الجهاز المناعي، فيُضعف القدرة على التنفس، ويهدد الحياة في بعض الحالات إذا لم يُكتشف ويُعالج في الوقت المناسب.
يبدأ الالتهاب الرئوي كعدوى تصيب الحويصلات الهوائية الدقيقة في الرئتين، ما يؤدي إلى امتلائها بالسوائل أو الصديد، فتُعيق عملية التنفس الطبيعية، وتمنع تبادل الأكسجين الضروري بين الرئتين والدم. ووفقًا لموقع USA Today، فإن من أبرز الأعراض المثيرة للقلق المرتبطة بهذه العدوى هي ضيق التنفس أو تسارعه أو صعوبته، ما يشير غالبًا إلى انخفاض مستويات الأكسجين في الجسم. وتشمل الأعراض الأخرى الشعور بألم في الصدر، الإرهاق، فقدان الشهية، التعرق الليلي، والحمى.
الفئات الأكثر عرضة للخطر
رغم أن الالتهاب الرئوي يمكن أن يصيب أي شخص في أي عمر، إلا أن بعض الفئات تكون أكثر عرضة لمضاعفاته الخطيرة، وفي مقدمتهم الأطفال. فالجهاز التنفسي لدى الطفل لم يكتمل نموه بعد، وتكون مجاريه الهوائية أضيق مقارنة بالبالغين، ما يجعل أعراض المرض أكثر شدة وسرعة في التطور.
كذلك، يمثل الالتهاب الرئوي تهديدًا كبيرًا لكبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة مثل الربو، أو الانسداد الرئوي المزمن، وأيضًا أولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، سواء بسبب الأمراض المناعية أو تناول الأدوية المثبطة للمناعة.
مسببات متعددة: بكتيريا وفيروسات وفطريات
في خضم التساؤلات الطبية، يبرز سؤال محوري: ما الذي يسبب الالتهاب الرئوي؟
الجواب ليس بسيطًا، لأن المسبب قد يكون بكتيريًا، فيروسيًا، أو فطريًا.
لكن الأكثر شيوعًا بين هذه المسببات هو النوع البكتيري، وتحديدًا بكتيريا العقدية الرئوية، المعروفة بأنها مسؤولة عن عدد كبير من حالات العدوى التنفسية الخطيرة. وتشمل قائمة الميكروبات المسببة أيضًا أنواعًا أخرى مثل المستدمية النزلية، والميكوبلازما الرئوية، والمكورات العنقودية الذهبية.
من جهة أخرى، تلعب الفيروسات دورًا مهمًا في تفشي حالات الالتهاب الرئوي، خاصة خلال فصول الشتاء وأوقات انتشار الأوبئة. وتشمل الفيروسات الشائعة: فيروس الإنفلونزا، الفيروس الغدي، الفيروس المخلوي التنفسي، والفيروس الرئوي البشري. وتُعدّ العدوى الناتجة عن فيروس كورونا من أبرز الأسباب الفيروسية للالتهاب الرئوي في السنوات الأخيرة.
أما الفطريات، فرغم كونها سببًا أقل شيوعًا، إلا أنها تُسبب حالات خطيرة لدى من يعانون من ضعف المناعة. وأشهر هذه الفطريات هي: المتكيسة الرئوية الجيروفيسية، والهستوبلازما الكبسولية.
هل الالتهاب الرئوي معدٍ؟
تعتمد إجابة هذا السؤال على نوع المسبب. فالأشكال الفيروسية والبكتيرية للالتهاب الرئوي غالبًا ما تكون معدية، ويمكن أن تنتقل بسهولة من شخص إلى آخر عبر الرذاذ الناتج عن السعال أو العطس أو حتى الكلام. أما الأنواع الفطرية، فهي غالبًا ما تُصيب الأفراد الذين يعانون من نقص المناعة، ولا تُعدّ معدية في العادة.
طرق العلاج: من الراحة المنزلية إلى الرعاية الفائقة
تتنوع طرق علاج الالتهاب الرئوي حسب سبب العدوى وشدة الأعراض. وفي كثير من الحالات الخفيفة، يمكن التحكم بالأعراض عبر إجراءات منزلية بسيطة، تشمل الراحة التامة، شرب كميات كافية من السوائل، استخدام أجهزة الترطيب الهوائي، وتناول مسكنات الألم وخافضات الحرارة مثل الإيبوبروفين أو الأسيتامينوفين.
لكن في الحالات المتوسطة أو الشديدة، قد تتطلب الحالة دخول المستشفى، حيث يُقدم الأكسجين لتخفيف ضيق التنفس، وتُستخدم السوائل الوريدية لتعويض الجفاف، إلى جانب أدوية أكثر تخصصًا.
وتكمن النقطة المحورية في علاج الالتهاب الرئوي في تحديد السبب بدقة. فالمضادات الحيوية تُستخدم فقط لمواجهة الالتهاب الرئوي البكتيري، بينما تُعالج الأشكال الفيروسية بالأدوية المضادة للفيروسات، أما الفطريات فتعالج بأدوية مضادة للفطريات، وغالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا وتتطلب فترة علاج أطول.
الوقاية خير من قنينة دواء
رغم تطور العلاجات الطبية، تبقى الوقاية هي خط الدفاع الأول والأكثر فاعلية. وتشكل اللقاحات أداة قوية للحد من انتشار الالتهاب الرئوي.
ويُنصح بالحصول على لقاحات مخصصة، مثل:
-
لقاح المكورات الرئوية، والذي يُوفّر حماية بنسبة تتراوح بين 45% و75%، وفقًا لنوع السلالة البكتيرية المستهدفة.
-
لقاح الإنفلونزا الموسمية، الذي يقلل من خطر الإصابة بالفيروسات المسببة للعدوى التنفسية.
-
لقاح كوفيد-19، الذي أثبت فعاليته في الوقاية من الأشكال الحادة للمرض الفيروسي المسبب للالتهاب الرئوي.
كما تلعب النظافة الشخصية، وغسل اليدين بانتظام، وتجنب الأماكن المزدحمة أثناء مواسم الأمراض، دورًا مهمًا في تقليل فرص الإصابة.
لا تستهِن بأعراض التنفس
يُعدّ الالتهاب الرئوي تذكيرًا صارخًا بمدى هشاشة الجهاز التنفسي، وأهمية الوقاية والرصد المبكر لأي أعراض غير طبيعية في التنفس. وفي زمن الأوبئة وتغيرات المناخ، تزداد أهمية التوعية المجتمعية بخطورة هذا المرض، وبضرورة التعامل مع السعال، الحمى، أو ضيق التنفس كأعراض لا يجب إهمالها.
إن الالتهاب الرئوي ليس مجرد عدوى، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الجسم على المقاومة، ولجاهزية النظام الصحي في رصد الأمراض التنفسية ومعالجتها. لذا، فإن كل نفس نحافظ عليه هو انتصار صغير في معركة طويلة ضد عدو غير مرئي لكنه بالغ التأثير.