
دينا زكريا
في عالم الطب الحديث، تُعد الجلطة الدماغية واحدة من أخطر الحالات الصحية التي تهدد حياة الإنسان بشكل مفاجئ وصامت. ورغم أن السكتة الدماغية غالبًا ما تبدو وكأنها ضربة قدر لا تُنذر بقدومها، فإن العلم الحديث كشف أن الجسم – في كثير من الأحيان – لا يبقى صامتًا تمامًا، بل يُطلق إشارات تحذيرية قد تبدأ في الظهور قبل أسابيع من وقوع الكارثة.
ووفقًا لتقرير نشره موقع “Healthline” الطبي، فإن الجلطة الدماغية – أو ما يُعرف بالخثار أو الانصمام الدماغي – تحدث عندما تسد جلطة دموية أحد الأوعية الحيوية في الدماغ، مما يعيق تدفق الدم إلى أجزاء حيوية منه. هذا الانسداد قد يؤدي إلى تضرر أنسجة الدماغ، ويُسبب سكتة دماغية، وقد تنتهي – في حال إهمالها – بعواقب دائمة أو وفاة مفاجئة.
لكن ما الذي يمكن أن يخبرنا به الجسم قبل حدوث الجلطة؟ إليكم تسعة أعراض مبكرة خطيرة، يجب عدم تجاهلها أبدًا.
1. صداع مفاجئ وشديد لا يُحتمل
الصداع الحاد الذي يظهر بشكل مفاجئ وبدون سبب واضح، ويستمر رغم تناول المسكنات، يجب ألا يُؤخذ على أنه مجرد عرض عابر. بحسب الخبراء، فإن هذا النوع من الألم قد يكون أول مؤشر على اضطراب في تدفق الدم داخل الدماغ، مما يُنذر بجلطة تلوح في الأفق. وغالبًا ما يوصف هذا الصداع بأنه مختلف عن الصداع المعتاد من حيث الشدة والمكان، وقد يصاحبه إحساس بالضغط أو الخفقان العنيف داخل الجمجمة.
2. ضعف أو خدر في أحد جانبي الجسم
من العلامات الكلاسيكية التي تُنذر بالخطر، هو الشعور بضعف أو تنميل مفاجئ في جانب واحد من الجسم، سواء في الذراع أو الساق أو الوجه. هذه الأعراض العصبية تُشير إلى وجود خلل في الإشارات العصبية، الناتجة عن اضطراب وصول الدم إلى منطقة معينة من الدماغ. وغالبًا ما يُلاحظ المصاب صعوبة في الإمساك بالأشياء أو المشي أو حتى الابتسام بشكل متناظر.
3. صعوبة في الكلام أو التلعثم المفاجئ
يُعد اضطراب القدرة على التحدث من الأعراض المهمة التي تستوجب التدخل الطبي الفوري. فإذا وجدت صعوبة مفاجئة في تكوين جمل واضحة، أو بدأت كلماتك تخرج متعثرة وغير مفهومة، أو شعرت بعدم قدرتك على فهم الآخرين، فقد تكون هذه العلامات دليلًا على جلطة تؤثر على مراكز اللغة في الدماغ.
4. مشكلات مفاجئة في الرؤية
الرؤية هي مرآة حيوية لحالة الدماغ، وأي خلل مفاجئ فيها – مثل ضبابية الرؤية، ازدواج الصورة، أو حتى فقدان الرؤية في إحدى العينين أو كلتيهما – قد يكون ناتجًا عن انسداد في الأوعية الدموية المغذية لمراكز الإبصار. وقد تحدث هذه التغيرات البصرية بشكل مفاجئ ومربك، ما يستوجب فحصًا طبيًا دقيقًا لتحديد السبب.
5. فقدان التوازن أو التنسيق الحركي
إذا شعرت فجأة بأنك غير قادر على الحفاظ على توازنك، أو أنك تسقط أثناء المشي دون سبب واضح، فقد تكون هذه علامة على تأثر المخيخ أو الأجزاء المسؤولة عن الحركة والتنسيق في الدماغ. وفي بعض الحالات، يُصاب الشخص بدوخة مفاجئة أو شعور بأن العالم من حوله يدور، وهي أعراض خطيرة تُنذر بجلطة محتملة.
6. الارتباك الذهني أو صعوبة في الفهم
قد يُعاني الشخص من ارتباك مفاجئ، أو يجد صعوبة في فهم ما يُقال له، أو يصبح غير قادر على الإجابة على أسئلة بسيطة، أو تمييز الوجوه والأماكن المألوفة. هذا التغير في الحالة العقلية هو إنذار مبكر بأن الدماغ لا يتلقى ما يكفيه من الأكسجين والدم، وأن خطر السكتة الدماغية بات وشيكًا.
7. فقدان الوعي المفاجئ
من الأعراض الأكثر خطورة، هو الإغماء أو فقدان الوعي بدون أي سابق إنذار. فعندما تنقطع التروية الدموية عن أجزاء واسعة من الدماغ، قد يدخل الجسم في حالة من الإغلاق المؤقت، يُفقد خلالها الشخص وعيه تمامًا. ويُعد هذا العرض طارئًا طبيًا بامتياز، ويستلزم الاتصال الفوري بالإسعاف.
8. نوبات صرع غير مبررة
في بعض الحالات، قد تكون النوبة العصبية – بما تحمله من تشنجات وفقدان وعي مؤقت – أول مؤشر على وجود جلطة دموية في أحد الأوعية الدماغية. فالجلطة قد تُسبب اضطرابًا كهربائيًا في الخلايا العصبية، ينتج عنه نشاط غير طبيعي يظهر على شكل نوبات صرعية.
9. غثيان أو قيء مفاجئ دون سبب واضح
رغم أن الغثيان قد يُعزى عادة إلى مشاكل في الجهاز الهضمي، فإن حدوثه بشكل مفاجئ ومصحوبًا بأعراض عصبية أخرى، قد يُشير إلى ارتفاع الضغط داخل الجمجمة أو تهيج الدماغ بسبب جلطة. لذلك، لا ينبغي أبدًا تجاهل هذا العرض إذا جاء مصحوبًا بدوخة، صداع، أو اضطرابات بصرية.
متى يجب التوجه للطوارئ؟
بحسب توصيات الخبراء، فإن ظهور أي من هذه العلامات – ولو بشكل عابر – يجب أن يُقابل بجدية تامة، ويستدعي الاتصال الفوري بالطوارئ الطبية. فالدقائق الأولى من الإصابة بجلطة دماغية هي الأكثر حساسية، وكل دقيقة تأخير تُضاعف احتمالات حدوث ضرر دائم لأنسجة الدماغ.
الوعي بهذه الأعراض لا يُنقذ حياة المريض فقط، بل قد يجنّبه مضاعفات جسيمة مثل الشلل أو فقدان النطق أو الإدراك. وفي ظل ارتفاع معدلات الإصابة بالجلطات الدماغية حول العالم، بات من الضروري تثقيف المجتمعات حول هذه العلامات المنذرة، خاصة بين الفئات المعرضة للخطر مثل مرضى ارتفاع ضغط الدم، السكري، واضطرابات القلب.
خلاصة:
الجلطة الدماغية ليست ضربة مفاجئة دائمًا، بل كثيرًا ما يُحاول الجسم دق جرس الإنذار قبل وقوعها. لا تتجاهل تلك الأعراض، ولا تنتظر حتى تتفاقم. فالتصرف السريع قد يُحدث الفارق بين الشفاء والمضاعفات الدائمة، بل وبين الحياة والموت.