
دينا زكريا
في حياتنا اليومية، نقابل الكثير من الوجوه. البعض يجيد الكلام، يُتقن الوعود، ويجمل العبارات حتى يظن السامع أنه أمام شخص نبيل النوايا، صادق المشاعر، ثابت الموقف. لكن مع مرور الوقت، تبدأ الصورة الحقيقية في الظهور تدريجيًا، لا من خلال ما يُقال، بل عبر ما يُفعل.
الواقع يخبرنا أن الأفعال، وليست الأقوال، هي المعيار الحقيقي لمعرفة الآخرين. قد يقول شخص ما إنه يحترمك، لكنه يتعامل معك بأسلوب متعالٍ أو ساخر. قد يعدك بالتزامه، ثم يتأخر كل مرة بلا اعتذار أو مبرر. قد يصرّح بأنه يقدّرك، ثم لا يبذل أي مجهود للحفاظ على العلاقة. وقد يُظهر affection في العلن، ثم يستخف بك في مواقف “الهزار” أو أمام الآخرين.
ما العمل حين تكتشف التناقض؟
حين تبدأ ترى هذا التناقض بين ما يُقال وما يُفعل، لا تتعجل بالغضب أو الانسحاب المفاجئ. من الطبيعي أن تشعر بالخذلان، لكن التعامل العاطفي الصاخب قد يأتي بنتائج عكسية، ويُفسر على أنك “تبالغ” أو “تتطلب الكثير”.
بعض الأشخاص حين تعاتبهم، يُهاجمونك بدلاً من الاعتذار. وإذا عبّرت عن انزعاجك، يقللون من مشاعرك وكأنك المشكلة. لذلك، قد يكون الصمت الواعي، الهادئ، هو الرد الأذكى.
لا تقطع العلاقة… فقط اسحب العضوية
من الحكمة ألا تُحدث ضجيجًا. لا تعلن انسحابك، لا ترسل رسالة طويلة، ولا تنخرط في جدل لا طائل منه. فقط، قرر في داخلك أن هذا الشخص لم يعد في نفس المرتبة. اسحب منه “عضوية الامتياز العاطفي”، تلك التي تمنحها فقط لمن يثبت لك بالفعل أنه يستحق.
لا تطلب منه شيئًا، لا تتوقع منه دعمًا، ولا تراهن على وجوده في لحظاتك الصعبة. من خذلك مرة، قد يخذلك مرات. ومن لم يفهم وزنك من البداية، لن يدرك قيمتك لاحقًا، مهما حاولت أن تُفسر له أو تُبرر مشاعرك.
العلاقات درجات… فراجع الترتيب
العلاقات الإنسانية لا تسير على وتيرة واحدة، ولا كل الأشخاص يستحقون نفس القرب. البعض مناسبون للسلام من بعيد، وآخرون يستحقون الجلوس في الصفوف الأمامية من قلبك. لذلك، لا تتردد في إعادة ترتيب “أماكن الجلوس” في حياتك.
حين ترى أن شخصًا لم يحسن الحفاظ على موقعه، لا تكن قاسيًا، لكن كن حازمًا. خذ خطوة للوراء. قلل من وجودك في حياته، ولا تعمق العلاقة أكثر. التأقلم هنا ليس ضعفًا، بل ذكاء اجتماعي. أن تتعامل مع من خذلك بأدب، دون أن تسمح له بالاقتراب مجددًا كما كان، هو أبلغ رد.
افعاله فضحته… فلا تتعشم
التعشم هو الجسر الذي يؤدي في الغالب إلى الألم. حين تتوقع من أحدهم تصرفًا جيدًا بناءً على كلماته فقط، فإنك تفتح الباب للخذلان. تعلم أن تحكم على الأشخاص من أفعالهم المتكررة، لا من لحظة طيبة عابرة أو وعد جميل.
راقب: هل يقدّم الأعذار أكثر مما يقدم الأفعال؟ هل يظهر فقط حين يحتاجك، ويختفي حين تحتاجه؟ هل يحسن إليك في العلن فقط؟ هل يهزأ بك تحت اسم “الهزار”، أو يكرر تصرفات لا تراعي مشاعرك؟ إذا كانت الإجابة “نعم”، فأنت تملك الدليل الكافي بأن هذا الشخص لا يجب أن يستمر في موقعه القديم داخل حياتك.
أنت تستحق ما هو أصدق
أنت تستحق علاقات صحية، متزنة، تقوم على الاحترام المتبادل، والاهتمام الصادق، لا على الكلام المنمق أو الوعود الجوفاء. ولكي تحقق هذا، عليك أن تكون أول من يحترم نفسه، ويضع حدودًا واضحة مع الآخرين، بناءً على أفعالهم لا أقوالهم.
كلما قررت أن تكون أكثر وعيًا في تقييم من حولك، كلما قلّ تعرضك للخذلان. الأمر لا يتطلب قسوة، بل نضجًا. لا تقاطع، لا تهاجم، لا تفضح… فقط انسحب بهدوء، وأعد ترتيب صفوفك.
في النهاية، العلاقات ليست مجبرة أن تستمر، ولا أنت مضطر أن تحتفظ بمن خذلك مرارًا. عش حياتك بوعي، وتعامل مع البشر كما هم، لا كما يقولون عن أنفسهم. واحفظ هذا الدرس جيدًا: “من لا يحترمك في أفعاله، لا يستحق أن تحترمه في مشاعرك”.